بهاء… حين سرقت الحرب الحلم
نشر بتاريخ: 2025/08/14 (آخر تحديث: 2025/08/14 الساعة: 20:18)

الحكايات أحيانا تبدأ بالفرح وتنتهي بالدموع كالنهر الذي ينساب بهدوء ثم يبتلعه جوف الأرض فجأة تاركًا القلوب عطشى والعينين ممتلئتين بالأسى من بين هذه الحكايات تبرز قصة "بهاء" الابن الأوسط لى.

شاب حمل بين ضلوعه الحلم وفي قلبه النقاء، ولاسمه نصيب فى هيئته  لكن الحرب لم ترحمه..سرقت منه أغلى ما يملك فجأه..

بهاء… "أبو جندل"، قلبه طيب وروحه شفافة عرفناه طفلاً محبوبًا..كنا نمزح معه وعباراته الطفولية لا تزال حية بيننا، كبر أمامنا وتحولت الطفولة إلى شاب طويل القامة حسن البنية جميل الملامح رائع الاخلاق يحمل أحلامه كما يحمل الشمس بين كفيه.

ثم جاء قراره بالزواج فجأه الموضوع جاء سريعا ميسرا كأنه محفوف برعايه الرحمن ..كتب كتابه، جهّز شقته الصغيرة، وعش الزوجية بدأ ينبض بالحياة ليلة الزفاف كانت كأن الأرواح نفسها احتفلت بالفرح والابتسامات امتلأت بالبهجة والجميع مشارك بقلبه وجوارحه ، انقضى الاحتفال الجميل دون الشعور بالوقت وكل شئ على ما يرام ..

الأمل اكتمل مع خبر الحمل… المولود الأول الحفيد الأول الابن الأول وتبين فيما بعد أنه ولد فازداد الشوق لرؤيته. جاءت لحظة الولادة ليلاً ..وكنت أنا وصديقي معا ..وذهبنا معا وسميت المولود على أسمه يسرى وكان وقعه وأثره المعنوى على صديقى عظيما فرح من كل قلبه على فرحنا .

وبهاء يحمل قلبه بين كفيه وعيونه تشع نورًا حين رأى ابنه كزهرة نضرة قطعة من القلب وروح العائلة.

لكن غزة لم تدم له هدوءًا،  الطائرات تحلق فوق المنازل الانفجارات ترتطم بالأرض والموت يرقب من كل شارع ومن كل بيت.. حرب مجنونه شنت على كل شئ فى غزه ..

في تلك الليلة السوداء قرر بهاء حماية زوجته وطفله،  أخرجهما إلى بيت أهلها حيث كان منزلهم مهددا ومنطقتهم خطره.. وما لم يتوقعه كان القدر يخبئ له فاجعة لا تُحتمل.

الصواريخ ارتفعت الأرض ارتجّت، الغبار تصاعد والصراخ ملأ السماء انفجار ضخم يهز المنطقه الدخان الكثيف يختلط برائحة البارود والتراب بهاء يركض يحاول أن يرى أن يلمس أن ينقذ ما يمكن إنقاذه..

عندما انقشع الدخان، لم يبقَ من البيت سوى أطلال ولم يبقَ من الحلم سوى صدى صامت رحلت زوجته.. رحل يسرى الصغير بين ذراعيها وكأن الحياة نفسها ابتلعتهما.

ضحكات الأيام الأولى،  أحلامهم الصغيره والجميله.. كلها ذهبت في لحظة واحدة تاركة جرحًا لا يندمل..

بهاء..بعد الفاجعة صار ظل إنسان، عيناه تتبعان الفراغ يلمس الصور وكأنه يريد أن يعيدها للحياة.. وابتسامته تحولت إلى ذكرى مؤلمة

 والألم أصبح جزءًا من نبضه وكل ثانية تمرّ تُسجل كسهم حاد في ذاكرته.

عائلتنا والمحيطون به..كل من يعرفه..شعروا بالفراغ نفسه وكأن جزءًا من روحهم قد سُلب معهم لم تكن الخسارة له فقط بل لكل من أحبهم وأحبوه لكل من شاركهم الحياة..

في غزة..كل شهيد له ألف حكاية… وليست مجرد أرقام هذه الأرض تحفظ دموعنا كما تحفظ دماءنا.

رحم الله يسرى الصغير وأمه وتقبلهم وجميع شهداؤنا الأبرار وجمعهم مع كل الأحبة في جنات النعيم.

هون عليك يا أبا جندل… لعل الله اصطفاك ليختبرك فالصبر على البلاء عظيم الأجر.. وأكثر الناس ابتلاءً هم الأنبياء والصالحون

ونسأل الله أن يعوضك خيرًا في الدنيا والآخرة..أنت وكل قلب فقد عزيزًا غاليا ..

حفيدى الاول يسرى وامه

الى عليين

والله غالب.