موانع الصفقة ودوافعها ..!
نشر بتاريخ: 2025/08/22 (آخر تحديث: 2025/08/22 الساعة: 14:58)

عادت إسرائيل لممارسة هوايتها في الجدل التفاوضي على نمط البقرة وما لونها، والتي لن تتعب منها في سبيل امتصاص دم خصمها تفاوضياً مسلحة بقوة عسكرية تفرض حقائقها على الأرض أعطتها هذا القدر من المناورة والتلاعب مع كل مفاوضيها على مدى التاريخ.

ربما تتعلم حماس الآن بالتجربة المريرة أن كل ملاحقتها لمفاوضي منافسها السياسي لعقود كانت نوعاً من المناكفة لا علاقة لها بواقع العمل السياسي ومعادلاته وموازينه وممكنات قوته، وأن المفاوضات هي انعكاس للميدان وليست رهن قدرات الأفراد مهما بلغت.

بعد الرد الإيجابي لحركة حماس على مقترح ويتكوف بعد أن كانت وضعت تعديلاتها عليه لتبرر إسرائيل الرفض محملة الحركة الفلسطينية مسؤولية التعثر، وقبل أن تدرك الحركة أن هذا هو الكمين الذي يراد استدراجها نحوه لاستكمال تدمير قلب قطاع غزة ومدينته التاريخية، وحين أدركت الحركة أن القادم أشد فظاعة قدمت ردها لكن الإسرائيلي عاد لهوايته في جعل المفاوضات عبثية، ويتلكأ لفرض مزيد من الحقائق ومزيد من الوقائع كأن ليس هناك مفاوضات.

متأخراً ألقت الحركة الفلسطينية الكرة في الملعب الإسرائيلي والذي لم يقدم حتى كتابة هذا المقال رده أو يعلن موقفه حتى بالرفض أو الموافقة، ففي كليهما ما لا يرغب وإن كان قادراً على الرفض مسلحاً بالرئيس الأميركي الذي يشبه بن غفير في نسخته غير المتطورة ويغطي نتنياهو في كل الحالات.

وهذا ربما يصلح كدرس سياسي لحركة حماس بأن القرار يجب أن يكون ابن لحظته ومناخاتها وإذا ما فات فقد يدفع الفرد أو المجموعة ما يشبه نسبة ضريبة سياسية وتلك حقائق السياسة.

ما بين وضع الشروط والتخلي عنها جرت مياه كثيرة في النهر السياسي الإسرائيلي العكر. فبينهما كانت إسرائيل تجمع مجلس حربها لساعات طويلة تتخذ قراراً بالهجوم على ما تبقى من قطاع غزة بعد أن تمكنت من تدمير ثلاث محافظات في القطاع، الشمال بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا البلد والمعسكر وكذلك محافظتي رفح وخان يونس بقيت غزة والوسطى وبعد الاستيلاء على ثلاثة أرباع القطاع بقي الربع الأخير، ولأن الوقت لم يكن في صالح الفلسطينيين حيث قدرة إسرائيل على التنكيل بسكان القطاع ترويعاً وتجويعاً يجعل منه في صالح إسرائيل وشروطها وسقوفها التي تزداد تباعاً.

من ناحية إسرائيل فإن نتنياهو وباقي المكون السياسي الديني الحاكم لا يريد هدنة ولا تهدئة ولا نهاية للحرب، ويعتبر أن من تبقى من الأسرى هم سعر زهيد مقابل المشروع الإستراتيجي قيد التحقق بترحيل كل سكان محافظتي غزة والشمال نحو الجنوب، وقد رحل سكان الشمال ويتكدس سكان محافظتي غزة والشمال في مدينة غزة بل في وسطها بعد تدمير جيش إسرائيل للأحياء الشرقية للمحافظة مثل الشجاعية والزيتون والشعف والمناطق الشرقية لحي التفاح، وقد هيأت الداخل الإسرائيلي والعالم وتلقت الانتقادات أي أنها بكل الظروف دفعت فاتورة العملية دولياً.

لكن اللاعب الأبرز في حكومة إسرائيل منذ تشكيلها زعيم حزب الصهيونية الدينية يقول رأياً آخر، حيث إنه لم يصوت مع خطة بنيامين نتنياهو التي جاءت لتلقي بخطة الجيش بتطويق مدينة غزة بل اقتحامها.

فلم يصوت سموتريتش مع الخطة رغم وجهتها الواضحة فقط لشعوره بأنها تترك متسعاً لصفقة جزئية وهو يقلع نحو الكليات التي تعني بالنسبة له استمرار السحق والتدمير والقتل واستسلام حركة حماس أو القضاء عليها، أي الانتصار الكاسح، معتبراً أن في الصفقة نوعاً من المهادنة ليهدد بالانسحاب من الحكومة وهو ليس مثل شريكه بن غفير بل أعمق وأكثر جدية وانسجاماً مع مواقفه شديدة العنصرية والتخريب... لكنه كذلك.

بالمقابل هناك أيضاً أسباب إسرائيلية للصفقة باستعادة الأسرى، إذ يحذر الجيش من قتلهم وهناك رغبة بتهدئة أهالي الأسرى الذين بدأت نشاطاتهم تتخذ مساراً تهديدياً كالإضراب وخاصة بعد نزع حماس للذرائع بتنازلها عن الشروط، ومع حشر الحكومة من قبل المعارضة وتقديمها لشبكة الغطاء فغانتس يعلن استعداده للانضمام للحكومة من أجل الصفقة ولابيد الذي يستعد بأربع وعشرين إصبعاً ترفع لتغطية الحكومة في الكنيست.

لكن الأكثر ضغطاً على الحكومة من الضغط الداخلي هو الاجتماع العام للجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر القادم في نيويورك والذي كانت دول أوروبا الفاعلة قد حددته كموعد ومناسبة للاعتراف بالدولة الفلسطينية، لكن دولة مثل بريطانيا كانت قد وضعت شرطاً يمكنها من التراجع فقد اشترطت بالاعتراف إذا «ما لم تتخذ إسرائيل خطوات جوهرية لإنهاء الوضع المروع في غزة»، ونظراً لحساسية إسرائيل تجاه الاعتراف البريطاني بالتحديد الذي عندما أعطى وعد بلفور لم يعطِ أي حقوق سياسية للفلسطينيين وهكذا سيشكل الاعتراف البريطاني بالذات تشككاً في التعهد الذي أعطاه وزير الخارجية قبل أكثر من قرن، ويعني أيضاً أن بريطانيا تراجع تاريخها بدعم وإقامة وتأسيس إسرائيل وتلك تشكل رمزية مهمة نظراً لخصوصية لندن التاريخية ما يعني أن إسرائيل في سبيل عرقلة ذلك هي بحاجة لتهدئة مؤقتة للوضع في غزة تضلل فيها العالم وتعطل الإجراء البريطاني وقد يحذو حذو بريطانيا حينها عدد من الدول.

لكن خطاب نتنياهو وتركيبة الحكومة لديه وتجربته مع العالم الذي لم يتمكن من معاقبة إسرائيل تدعو للتشاؤم مما هو قادم أو من الموافقة على التهدئة.

بل إن الأمور أقرب منها للتصعيد لأن فرصة التهجير والقضاء على باقي ممكنات الحياة في غزة أهم بالنسبة لإسرائيل من عشرين أسيراً حياً قتلت أكثر من ضعفهم للسيطرة على بلدة صغيرة مثل بيت حانون، فما بالنا غزة المدينة ؟ وإن لم ينغلق باب الأمل.