بعد إعلان حماس في ٢٤/٨/٢٠٢٥ موافقتها على توقيع صفقة جزئية لمدة ٦٠ يوم للإفراج المتبادل عن عدد من الأسرى الإسرائيليين والفلسطينيين، بالإضافة لإدخال المساعدات الإنسانية للقطاع، في إطار الجهود التي يبذلها الوسطاء لوقف إطلاق النار في غزة، كان متوقع بأن تكون هناك استجابة سريعة من نتنياهو، والذهاب باتجاه توقيع الصفقة، إلا أن نتنياهو آثر الصمت، ولم يرد على المقترح المقدم من الوسطاء، والذي يتوافق مع مقترح المبعوث الخاص للرئيس ترامب بنسبة تفوق ٩٠٪، والذي طالما خرج علينا نتنياهو ليذكرنا بأن حماس هي من تعطل الوصول للاتفاق.
فما الذي حدث، وما هي الأسباب الموجبة للرفض أو القبول؟.
رغم موافقة حماس، وموقف الجيش المؤيد لعقد صفقة جزئية الا ان نتنياهو لم يدعُ "للكابينت" لاجتماع كالمعتاد، ولم تجتمع الحكومة لتعلن موقفها بالقبول أو الرفض، كل ما هناك نتنياهو أعاد لتذكيرنا بشروط اسرائيل لوقف الحرب، وهو يعلم تماماً بأن حماس ستقوم بدورها برفض هذه الشروط التي تتمثل في:
* نزع سلاح حماس.
* إطلاق جميع الأسرى دفعة واحدة.
* نزع سلاح القطاع.
* السيطرة الأمنية لإسرائيل على القطاع.
* إقامة إدارة مدنية بديلة ليست من فتح وليست من حماس.
في إسرائيل يقولون أن التغير في موقف نتنياهو هدفه إطالة أمد الحرب، للضغط على حركة حماس من أجل تقديم مزيد من التنازلات، أو الذهاب باتجاه تنفيذ قرار الكابينت الأخير باحتلال مدينة غزة، إصرار نتنياهو على شروطه التعجيزية هي وصفة لفشل جهود الوسطاء لإدراكه أن حماس لن توافق على شروطه، لذا من المتوقع ألا يحدث أي تقدم في المفاوضات إلا إذا تحقق واحدة من ثلاث احتمالات:
الأول: تنازل حركة حماس وقبولها بشروط نتنياهو.
الثاني: تنازل نتنياهو عن بعض شروطه وموافقة حماس على ما هو مطروح.
الثالث: ضغط من الوسطاء على الطرفين في محاولة لكسر الهوة بينهما لجهة عقد اتفاق.
وإن الرفض للصفقة الجزئية أو المماطلة في الرد نابع من:
* حسابات داخلية، داخل ائتلافه الحكومية حيث أن هناك ضغوط عليه من "سموتريتش وين غفير وستروك" الذين يعتبرون أن التوقيع على الصفقة الجزئية هو تناول لحركة حماس، ويصب في مصلحة بقائها، ولذا فإنه حريص على تماسك الائتلاف الحكومي ويخشى من انهياره في حال الموافقة.
* ربما الرفض والتلويح باحتلال غزة من باب المناورة وأن طرح نتنياهو لشروط تعجيزية لدفع حماس تقديم تنازلات أكبر، مما يمكنه من تسويق خططه في الداخل والخارج.
* الميل نحو توقيع صفقة شاملة ضمانة أكثر لاستعادة الأسرى، وتفكيك القدرات الحكومية والعسكرية لحماس، مع وجود ضمانات بألا يكون هناك تهديد مستقبلي لإسرائيل من جهة غزة.
* عدم وجود ضغط كافي من الوسطاء على نتنياهو يدفعه التشدد في مواقفه، بالإضافة لانه يحاول استغلال صمت الإدارة الأمريكية لتدمير ما تبقى من القطاع، فهي فرصة لن تتوفر في حال عقد صفقة كلية أو جزئية، لذا فإن استمرار الحرب يمنحه مساحة لتنفيذ مخططاته بالشكل المطلوب.د، ولا تبالغ اذا ما قلنا بأن نتنياهو يحاول ابتزاز الإدارة الأمريكية لكسب مزيد من الإنجازات.
* أهالي الأسرى مع غالبية الشارع الاسرائيلي يفضلون، بل يطالبون بعقد صفقة كلية تفرج عن جميع الأسرى الإسرائيليين، ربما ما يحدث من ضغط في الميادين العامة في اسرائيل يَعدم فرصة توقيع صفقة جزئية "مع عدم إسقاط هذا الخيار" اذا لم يكن هناك بُد، واستطاع نتنياهو تخطي كل المحاذير، على أية حال فإن نتنياهو لا يقيم وزناً لرأي الشارع، وكل ما كان يفعله أنه يقدم بعض التطمينات من خلال تصريحات متناقضة، واختلاق حالة من التعارض بين المستويات المختلفة "السياسي والعسكري"، نتنياهو مخادع وماكر وهو سيد من اختلف الازمات، وابتعد الحلول لها، يقول إنه "مع احتلال غزة، وفي نفس الوقت يصرح بأنه سيرسل وفد للمفاوضات"، وأنه "متمسك بصفقة كلية ومع ذلك لا يمانع من مناقشة صفقة جزئية".
وبالنظر لموقف الجيش الاسرائيلي نلحظ بأنه منقسم على نفسه تجاه الإفراج عن الأسرى، ومتفق تجاه استمرار الحرب على غزة، هناك اتجاهين:
الأول: على رأسه ايال زامير "رئيس الأركان" فهو يضغط باتجاه عقد صفقة جزئية، ويرى أن الفرصة مواتية، وأن الجيش مهد الطريق لذلك من خلال الضغط العسكري، وأن القرار بيد المستوى السياسي، ويضع رئيس الأركان بعض المحاذير فهو يعتقد أن هجوم شامل على غزة قد يؤدي إلى مقتل الأسرى، كما يؤكد أن العودة لدوائر القتال السابقة قد تكلف الجيش مزيد من الأرواح دون تحقيق نتائج واضحة، ويرى بأن فترة ٦٠ يوم تمنح الجيش زمن اضافي لإعادة تنظيم نفسه.
الثاني: هذا الاتجاه يطالب بالبدء فوراً بالسيطرة على مدينة غزة، وعدم وقف العملية إلا في حال استسلام حماس، موافقتها على الإفراج عن الأسرى، ويطالب بممارسة مزيد من الضغط عليها، لإجبارها على الرضوخ للشروط الاسرائيلية، ويرى أن القبول بالصفقة الجزئية يعطي حماس فرصة لالتقاط أنفاسها، وإعادة ترتيب صفوفها من جديد.
حتى اللحظة لم يحسم الأمر في أي اتجاه سيذهب نتنياهو "هل سيكون القرار مع صفقة جزئية أو كلية" وهل سيتم مناقشة الموضوع في جلسة الكابينت المقرر عقدها اليوم الثلاثاء الموافق ٢٦/٨/٢٠٢٥؟.
واضح بأن نتنياهو يحاول المماطلة لحين اتخاذ القرار المناسب، عملياً هو يمتلك القدرة على التأجيل، أو تسهيل طرح أي قضية على جدول أعمال الحكومة، بمعنى لدية الصلاحية على توجيه جدول أعمال الكابينت ويحدد متى تُطرح الصفقة وكيف تُصاغ، وهذا ما يفسر ما نُشر في وسائل الإعلام الإسرائيلية بأن "الكابينت" لن يطرح للنقاش مقترح الوسطاء الذي وافقت عليه حماس، ومع ذلك سيتم السماح لرئيس الاركان بشرح خطة الجيش العملاتية لاحتلال غزة، مع اعطاء رئيس الأركان فرصة لعرض وجهة نظره، فهو يرى أنه من الصواب القبول بصفقة جزئية ثم العودة للقتال بعدها.
هناك اعتقاد سائد بأن موقف رئيس الأركان سيصطدم بمعارضة عدد من الوزراء "بن غفير وسموتريتش وستروك" بعدم القبول بصفقة جزئية تحت أي ظرف من الظروف، ربما هذا التصادم يصب في مصلحة نتنياهو الذي بدا من الواضح أنه يميل إلى تدمير غزة، واستسلام حماس، وتجديدها من سلاحها، ولو على حساب موت الأسرى الإسرائيليين.
حماس في موقف لا تحسد عليه، فإن هي أصرت على موقفها الرافض لصفقة كلية، وأصرت على صفقة جزئية، في حال عدم وجود ضمانات بوقف الحرب، الأمر الذي سيمنح نتنياهو طوق نجاة، وترفع عنه الضغوط الخارجية والداخلية للمضي قدماً نحو احتلال ما تبقى من غزة، تنفيذاً لوصايا سموتريتش وين غفير، فهي في هذه الحالة كمن يلف الحبل حول رقبة غزة، مطلوب من حماس البحث عن أخف الضررين لتجنب استمرار حرب الإبادة.