فلسطين: بين الاعتراف المشروط والجزئي والكامل
نشر بتاريخ: 2025/09/22 (آخر تحديث: 2025/09/22 الساعة: 14:52)

أصبحت من الآن فصاعدًا فكرة الاعتراف بالدولة الفلسطينية ساحة اختبار حقيقي لمدى مصداقية وشرعية المجتمع الدولي، الذي سقط في امتحان الضمير الإنساني ويعيش أزمة أخلاقية حقيقية. ففكرة الاعتراف بدولة فلسطينية ليست مجرد شعار سياسي لامتصاص الغضب الشعبي والضغوط الداخلية للدول الغربية، التي تعاني من ازدواجية المعايير في التعامل مع قضية شعب يرزح تحت الاحتلال منذ أكثر من سبعة عقود ويتعرض لأبشع الممارسات، التي وصلت إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، لتتوج بجريمة إبادة حقيقية باعتراف الأمم المتحدة نفسها، التي تقف عاجزة ومشلولة عن وقف هذه الجريمة.

يترك القانون الدولي للدول حرية تحديد مستوى الاعتراف بين الكامل والجزئي والمشروط. لذلك نرى أن الدول الغربية تكتفي غالبًا بالاعتراف المشروط، أي اعتراف شكلي دون تبعات سياسية أو اقتصادية تؤدي إلى تغيير أو تأثير فعلي على أرض الواقع. والاعتراف المشروط هو الأخطر، لأنه يربط الاعتراف بشروط سياسية وأمنية مثل إطلاق سراح الأسرى، ووقف المقاومة، والعودة إلى طاولة المفاوضات. هذه الشروط تفرغ الاعتراف من مضمونه وتبقيه رهينة للمعادلات السياسية التي ترتكز على القوة لا على القانون. فيتحول الاعتراف إلى أداة لتغيير "العقلية والسلوك الفلسطيني" كما يريده الاحتلال، وليس اعترافًا مبنيًا على الحق التاريخي والقانوني والسياسي للشعب الفلسطيني. وكأن الاعتراف منّة أو جائزة، وليس حقًا مكفولًا بموجب القوانين والمعاهدات والاتفاقيات الدولية، التي تؤكد حق الشعوب في تقرير مصيرها وبناء دولتها.

أما الاعتراف الجزئي، فهو يعبر عن حق سياسي محدود، ويأتي غالبًا نتيجة ضغوط داخلية وشعبية أو تغيّر في المزاج العام. لكن هذا النوع من الاعتراف يمتنع عن الإقرار بحدود الدولة أو بقدرتها على ممارسة السيادة، كما يستبعد اتخاذ إجراءات ضد الاحتلال على المستويات السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية.

وعادةً ما يُستحب الاعتراف الكامل بما يرافقه من حزمة قرارات وإجراءات تنفيذية تفرض الاعتراف على أرض الواقع، مثل فرض عقوبات دبلوماسية واقتصادية وعسكرية، أي تطبيق عزلة شاملة على إسرائيل. فالاعتراف الكامل يحمل وزنًا سياسيًا وقانونيًا، ويُستخدم كورقة ضغط على الاحتلال لإنهاء سيطرته الأمنية وتفكيك الاستيطان، مثلما حدث مع نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا خلال ثمانينيات القرن الماضي. والاعتراف الكامل قد يؤدي إلى تغيير سلوك الاحتلال، لكن للأسف هذا النوع من الاعتراف يحتاج إلى إجماع أوروبي وإرادة سياسية مفقودة، خاصة في مواجهة الموقف الأمريكي.

يبقى اعتراف الدول الغربية حتى اللحظة مكسبًا سياسيًا وقانونيًا وأخلاقيًا للفلسطينيين، لكنه لا يملك تأثيرًا مباشرًا على وقف المجازر في غزة أو إنهاء واقع الاحتلال المرير في الضفة الغربية والقدس المحتلة. وهو بداية لطريق صعبة طويلة الأمد، لا تعيد للفلسطينيين أرضهم المحتلة وحقوقهم المسلوبة.

وما يحتاجه الفلسطينيون ليس فقط اعترافًا بدولتهم، التي دمّر الاحتلال كل مقومات إقامتها على أرضهم، بل أيضًا إجراءات عملية لوقف حرب الإبادة، وهندسة التجويع، والفوضى، والضم، والتهجير، والاستيطان، وتدمير البيوت.