عامان على حرب غزة: إسرائيل تخسر حرب الرواية
نشر بتاريخ: 2025/10/08 (آخر تحديث: 2025/10/08 الساعة: 16:19)

بعد مرور عامين على حرب الإبادة الجماعية التي تنفذها إسرائيل في قطاع غزة والتي بدأت بعد هجوم «حماس» على غلاف غزة، تبدو نتائج الحرب مخالفة تماماً لما أرادت وسعت إليه الحكومة الإسرائيلية المتطرفة بقيادة بنيامين نتنياهو. حتى لو أرادت الانتقام من غزة والقضاء على الحالة الغزية التي تعتبرها إسرائيل مشكلة تعيق وتشوش مخططاتها. فالانتقام كان سيد الموقف في الفترة الأولى للحرب قبل أن تتبلور فكرة القضاء على غزة وتهجير سكان القطاع إلى دول أخرى تقبل بهم. وإعادة احتلال غزة والبقاء هناك وربما عودة الاستيطان لما كان عليه قبل إخلاء قطاع غزة في العام 2005. ونجحت إسرائيل في المراحل الأولى للحرب في تسويق روايتها حول هجوم «حماس» ومدى بربرية الحركة والمبالغة في استهداف المدنيين وعمليات الاغتصاب وغيرها. وقد منحت إسرائيل ضوءاً أخضر لحربها على غزة على اعتبار أنها حرب على «حماس»، ولم يكن يخطر في بال الذين دعموا إسرائيل أنها ستذهب إلى هذا المدى من الوحشية والإجرام وترتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية حتى الوصول إلى مستوى الإبادة الجماعية.

الآن، وبعد سنتين على اندلاع الحرب يمكننا أن نخلص وفي جردة حساب سريعة إلى أن إسرائيل في أسوأ وضع مرت به منذ تأسيسها، من حيث إنها انفضحت كدولة مارقة ومجرمة ولم تعد تلك التي صورت نفسها عليها على الأقل في ساحة الغرب باعتبارها واحة الديمقراطية والتقدم في الشرق الأوسط، ودولة تحترم القانون والأعراف الدولية. ولم تكتفِ الدول الغربية بالاعتراف بدولة فلسطين لحماية حل الدولتين في ظل عملية الاستيطان وضم الأمر الواقع التي تمارسها حكومة إسرائيل والتي تسارعت وتيرتها وتكثفت بشكل كبير منذ أن بدأت الحرب كجزء من الرد الإسرائيلي على هجوم «حماس»، بل وبدأت دول عديدة بفرض عقوبات على إسرائيل وعلى مسؤولين فيها خصوصاً بعد أن قبلت محكمة العدل الدولية النظر في دعوى رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل بتهمة ارتكاب جرائم حرب، وبعد الرأي الاستشاري الذي صدر عن نفس المحكمة حول الاستيطان. وكذلك بعد أن أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو ووزير حربه يوآف غالانت. وذلك على خلفية الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في قطاع غزة.

إسرائيل، الآن، تشعر بالعزلة التي بدأت تتفاقم لدرجة أن نتنياهو اعترف بها في خطابه الشهير حول «إسبرطة العظمى». وعملياً، بدأت بعض الدول الغربية تقاطع بضائع المستوطنات والمستوطنين وقادتهم وخاصة الوزيرين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير. وألغت دول كإسبانيا صفقات مع شركات إسرائيلية. وتم سحب استثمارات من إسرائيل على غرار ما قام به صندوق الثروة النرويجي الذي يبلغ رأسماله تريليوني دولار، الذي سحب استثماراته من شركة «كاتربيلر» وخمسة بنوك إسرائيلية. وهذا قد يكون مقدمة لعملية سحب استثمارات واسعة من إسرائيل تقوم بها دول أوروبية حتى لا تكون هناك شبهة في التورط بجرائم حرب. وحتى لو قامت دول مثل ألمانيا وإيطاليا باستخدام حق النقص ضد تعليق جزئي لاتفاقية التجارة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل فهذا لا يعني أن هذه الاتفاقية ستصمد لفترة طويلة في ظل خرق إسرائيل لحقوق الفلسطينيين بصورة همجية وفظة. وهناك دعوات لمقاطعة إسرائيل في برنامج «هورايزون» الذي هو صندوق لتمويل البحث والابتكار بقيمة 100 مليار دولار. وقد تلجأ الدول الأوروبية لتطبيق عقوبات بصورة منفردة ضد إسرائيل وصولاً إلى موقف جماعي شامل.

وهناك عقوبات بدأت تظهر في قطاعي الرياضة والثقافة. وقد تصوت اللجنة التنفيذية للاتحاد الأوروبي لكرة القدم على تعليق مشاركة المنتخب الإسرائيلي وجميع الأندية في إسرائيل في المنافسات الأوروبية. وعلى المستوى الثقافي، ألغى مهرجان فلاندرز في مدينة غنت في بلجيكا في أوائل الشهر الماضي عرضاً لأوركسترا ميونخ الفيلهارمونية لأن قائدها لاهف شاني الإسرائيلي يقود فرقة أوركسترا إسرائيل الفيلهارمونية. بالإضافة إلى إعلان أكثر من 4000 ممثل ومخرج سينمائي مقاطعة المؤسسات الإسرائيلية. وهناك احتمالية لطرد إسرائيل من المشاركة في مسابقة الأغنية الأوروبية «يوروفيجن»، فهناك دول مثل هولندا وإسبانيا وإيرلندا وسلوفينيا هددت بمقاطعة المسابقة إذا دعيت إسرائيل للمشاركة فيها.

والخسارة الأكبر لا تنحصر فقط في خسارة الرأي العام الغربي وتحول موقف دول كانت داعمة لإسرائيل في كل حالاتها مثل هولندا، بل الأهم خسارة دعم يهود الولايات المتحدة حيث بلغت نسبة من يعارضون سياسة إسرائيل 48% مقابل 46% يؤيدونها. و68% منهم يقيمون سياسة نتنياهو سلبياً. ناهيكم عن التحول الكبير في الرأي العام الأميركي حيث يدعم 32% من الأميركيين إسرائيل ويعارضها 60% منهم.

خطة الرئيس دونالد ترامب التي قبلتها إسرائيل على مضض وقبلتها العديد من الدول العربية والإسلامية وحركة «حماس» تشكل فرصة ذهبية لإسرائيل لمحاولة ترميم صورتها التي تهشمت على وقع جرائم الإبادة الجماعية. ويلزم إسرائيل الكثير من الوقت لإصلاح روايتها التي خسرتها بسبب جرائمها. ولا يمكنها في هذا السياق إعادة عقارب الساعة إلى الوراء كما يحاول نتنياهو أن يفعل بضخ أموال كبيرة في برامج لوسائل التواصل الاجتماعي من أجل العودة لتجريم «حماس» وتبرئة ساحة إسرائيل. والأفضل لها أن تتبنى خطاباً مؤيداً لإنهاء الصراع والاحتلال ومنح الشعب الفلسطيني حقوقه الشرعية والالتزام بقواعد القانون الدولي. ولكن هذا غير ممكن في ظل حكومة اليمين العنصري المتطرف. والفرصة قد تكون فقط في حال إسقاط هذه الحكومة في الانتخابات القادمة التي قد تكون مبكرة.