خطة ترامب وما حولها.. الأسئلة الصعبة!
نشر بتاريخ: 2025/10/14 (آخر تحديث: 2025/10/14 الساعة: 19:03)

«ليس في طاقة إسرائيل أن تحارب العالم».

كان ذلك استخلاصاً للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أبلغه لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في معرض إقناعه بقبول خطة إنهاء الحرب على غزة.

العبارة، بوقع كلماتها ورسائلها، تنطوي على نوع من الإقرار بخطورة اتساع الاحتجاجات الشعبية الأوروبية على مستقبل الدولة العبرية ومصيرها.

خطة ترامب، التي أُنجزت للتوّ مرحلتها الأولى وتحيط بها الأسئلة الصعبة كألغام مراحلها التالية، استهدفت إنقاذ إسرائيل أولاً وقبل كل شيء، حتى لا تتحول إلى دولة منبوذة. هذه هي الحقيقة التي لا يصح إنكارها.

إذا أردنا أن نصارح أنفسنا بالحقائق، فإن الفضل الأساسي لوقف إطلاق النار يعود إلى ضجر قطاعات متزايدة داخل الرأي العام الأوروبي بالذات من المجازر المتصلة التي تُرتكب في غزة المحاصرة والجائعة دون خشية من العقاب، كأنّ إسرائيل دولة فوق القانون.

هذه حقيقة أخرى

استنفرت المآسي المروّعة الضمير الإنساني في احتجاجات شملت العواصم والمدن الأوروبية والغربية الكبرى بلا استثناء تقريباً، وداخل الولايات المتحدة نفسها.

بدت الاحتجاجات والتظاهرات الإيطالية الأكثر زخماً؛ تظاهر في العاصمة روما نحو مليون إيطالي في يوم الإضراب العام. تلاحق رئيسة الوزراء اليمينية جورجيا ميلوني أمام المحاكم المحلية والدولية بتهمة التواطؤ في حرب الإبادة على غزة. كان ذلك تطوراً ينبئ بتغييرات عميقة سوف تحدث لا محالة في توجهات المؤسسات الأوروبية وطبيعة نظرتها إلى عدالة القضية الفلسطينية.

بالاتجاه نفسه، أصدر البرلمان الإسباني قانوناً غير مسبوق بـ»حظر تصدير أي معدات عسكرية، أو سلع، أو تكنولوجيا يمكن أن تُستخدم لأغراض قتالية، إلى إسرائيل».

بدأ الموقف الألماني المؤيد تقليدياً لإسرائيل يتزحزح إلى مساحات جديدة تؤكد على حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وامتلاك دولة.

إنها قوة الرأي العام ضاغطة ومؤثرة على مراكز صنع القرار. اعترف ترامب نفسه بتراجع نفوذ اللوبيات الإسرائيلية داخل مجلسَي الكونغرس.

لخّصت مشاهد أسطول الصمود، بحشودها السياسية والثقافية والفنية، وبالطريقة العنصرية والمهينة التي عومِل بها ناشطوه من قِبَل الاحتلال، مستويات عالية من الغضب. تعالت في الشوارع هتافات «فلسطين حرة» و»تسقط الصهيونية».

بدا ذلك جرس إنذار لترامب قبل الانتخابات النيابية الوشيكة.

ثم كان مشهد الخطاب المتعجرف الذي ألقاه نتنياهو أمام قاعة شبه فارغة بالجمعية العامة للأمم المتحدة تعبيراً عن عزلة دولية لا يمكن إنكارها.

في السياق نفسه، بدا زخم الاعترافات بالدولة الفلسطينية من دول غربية عهد عنها دعم وتأييد سياسات تل أبيب على مدى الصراع العربي الإسرائيلي، إنذاراً أخيراً بتغيير محتمل في طبيعة العلاقات معها.

لقطع الطريق على هزيمة إستراتيجية نهائية لإسرائيل، سارع ترامب إلى طرح خطته بالتنسيق مع نتنياهو.

استهدفت خطته تخفيف حدة الغضب الدولي على «العدوانية الإسرائيلية» وإفلاتها من الحساب، وتغيير البيئة العامة بتصويرها كشريك في بناء السلام!

كان التقبل الإسرائيلي لتلك الخطة إجبارياً، وليس عن اقتناع.

«في النهاية ستتلاشى صور النصر من الشاشات، وتبقى صور الركام في غزة والقبور في إسرائيل، وستبدأ الأسئلة الصعبة: هل كل ذلك يستحق؟ هل كنا نحتاج فعلاً إلى هذه الحرب؟ من الذي انتصر فعلاً؟».

كانت تلك أسئلة جوهرية طرحها الكاتب الصحافي الإسرائيلي، جدعون ليفي، على صفحات «هآرتس».

في القفز عن الأسئلة الصعبة جهل وتجهيل بتعقيدات الأزمة الإسرائيلية المستفحلة.

يوحى نتنياهو مرة أن الحرب حققت أهدافها، ومرة أخرى يقول إنها لم تتحقق بعد، وإنه يحتاج إلى وقت إضافي لإتمام مهمته في استعادة الأسرى والرهائن وتقويض «حماس» ومنعها من العودة إلى حكم غزة.

رغم المعاناة المأساوية الفلسطينية قتلاً وتجويعاً وإذلالاً يصعب القفز إلى نتائج نهائية، إسرائيل لم تنتصر والفلسطينيون لم يهزموا.

بتعبير آخر هُزمت إسرائيل أخلاقياً بصورة يصعب ترميمها، ولم تحقق أهدافها المعلنة حتى الآن.

إحدى الفرضيات الشائعة أن ترامب يعمل على أن يحقق للإسرائيليين بالتفاوض ما لم يحققوه بالحرب.

ورغم ما يطلق عليه نتنياهو بـ»الإنجازات» قاصداً حروبه على جبهات عديدة، إلا أن غياب أي أفق سياسي لليوم التالي، في فلسطين وخارجها على السواء، وتهيؤ إسرائيل لتوسيع عملياتها العسكرية ضد إيران وفي لبنان واليمن يجعل من شبه المستحيل الحديث عن سلام إقليمي وتطبيع علاقات مع الدولة العبرية.

لا يمتلك ترامب أي تصور متماسك ومنصف لتسوية القضية الفلسطينية، أو للسلام الإقليمي الذي بدأ يتحدّث عنه في مداخلاته المسهبة.

عزل غزة عن عمقها الفلسطيني في الضفة الغربية مستحيل، وتجاهل حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم بأنفسهم مستحيل آخر.

القضية الفلسطينية قضية تحرر وطني أولاً وأخيراً.

هذه حقيقة نهائية؛ إذا ما غابت فإن أي أحاديث عن سلام مستدام، أو نزع سلاح المقاومة، أو إدارة غزة من غير الفلسطينيين، محض أوهام سوف تتحطم بعد وقت أو آخر على صخور الحقائق.

لأول مرة يعلن ترامب انفتاحه على مشروع حل الدولتين، لكنه يتبنّى في الوقت نفسه صيَغاً لحكم غزة تستبعد الفلسطينيين.

هذه فوضى أفكار لا خطط سلام.

لا أحد بوسعه أن يعوّل على نتنياهو في التزام استحقاقات المراحل التالية.

مراوغاته تسحب من الخطة نسبتها إلى أي نوع من السلام باستثناء ما يوصف بـ»سلام القوة».

إن الاحتفاء الإنساني والضروري بوقف إطلاق النار شيء، والحذر من الألغام الماثلة والمنتظرة شيء آخر تماماً.

العالم كله تنفّس الصعداء، وأكبر خطأ يمكن أن نرتكبه هو عدم المضي قدماً في استثمار ثورة الضمير الإنساني لنصرة القضية الفلسطينية.