الرواية الفلسطينية تكسر الصمت
نشر بتاريخ: 2025/11/12 (آخر تحديث: 2025/11/12 الساعة: 17:28)

كيف استطاعت الرواية التاريخية الفلسطينية أن تطوف العالم، وتكسر الصمت أمام الإبادة الجماعية التي تحدث في غزة، منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023؟

كيف استطاعت الرواية التاريخية الفلسطينية أن تؤثّر في تغيير مواقف بعض دول العالم، ومواقف شعوب العالم، تجاه القضية الفلسطينية، رغم منع سلطات الاحتلال دخول وسائل الإعلام الأجنبية إلى قطاع غزة، وقتل العديد من الصحافيين؟

كيف كسرت الرواية التاريخية الفلسطينية الحجّة التي حاولت تسويقها حكومة الاحتلال الإسرائيلي العنصري، وحلفاؤها، عبر العالم، والتي تتلخص في «الدفاع عن النفس»؟

هل فعلت ذلك بعد أن سمع العالم بأذنيه ورأى بعينيه وقائعَ الإبادة الجماعية في غزة، والتطهير العرقي في مخيمات شمال الضفة، والعدوان إثر العدوان، من جيش الاحتلال الإسرائيلي الاستعماري، على امتداد الأرض الفلسطينية؟ والتي تبثّ عبر وسائل الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي كافة عبر العالم؟

هل فعلت بعد أن بدأ يربط بين ما يحدث في الحاضر، وما حدث منذ سبعة وسبعين عاماً؟

هل فعلت بسبب صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته وسائل قهره وإبادته بكل الوسائل الممكنة؛ السياسية والعسكرية والقانونية والاجتماعية والثقافية؟

ناقش هذه التساؤلات وغيرها، عدد من الكتاب/ات، ضمن ندوة بعنوان: «فلسطين في مواجهة الصمت»، نظمها صالون الجزائر الدولي للكتاب (سيلا 2025)، الطبعة الثامنة والعشرون، يوم 31 تشرين الأول، 2025، في فضاء فلسطين (فضاء غسان كنفاني)، ضمن برنامج ثقافي غني تجاوز 500 نشاط، شمل ندوات، وورشات توقيع، وحوارات فكرية.

وكان صالون الجزائر الدولي قد عقد هذا العام، تحت شعار: «الكتاب .. ملتقى الثقافات»، واستقطب 1258 دار نشر، من تسع وأربعين دولة.

لم يكن جديداً أن تكون فلسطين في قلب صالون الجزائر الدولي (سيلا 2025)؛ كانت دائماً وسوف تكون. ولم يكن جديداً أن تكون الجزائر في قلب أبناء الشعب الفلسطيني؛ الذين استلهموا ثورة الشعب الجزائري، ونضاله، وكفاحه العنيد لتحقيق الاستقلال ضد الاستعمار الفرنسي.

*****

نتيجة لازدياد الوعي بالرواية الفلسطينية تعاظمت الاحتجاجات العالمية الشعبية، التي تناصر القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، مع تواصل الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والعدوان إثر العدوان؛ ما طوّر من الشعارات التي رفعتها التظاهرات الشعبية، التي لم تعد تكتفي بالمناداة بوقف إطلاق النار، والإغاثة الإنسانية؛ بل أضافت إليها شعارات تنادي بضرورة وقف إمداد المحتلّ الإسرائيلي بالسلاح، وأهمية محاسبته على جرائمه.

وحين نذكر من كسروا الصمت؛ نذكر أولاً تأثير الدعوى التي رفعتها دولة جنوب إفريقيا إلى محكمة العدل الدولية، ضد دولة الاحتلال، في 29 كانون الأول 2023 – والدول التي أعلنت رسمياً انضمامها العام 2024 (بتقديم طلب تدخل أو إعلان تدخل): المالديف، ومصر، وفلسطين، وليبيا، والمكسيك، وإسبانيا، وتشيلي، وبوليفيا، وكولومبيا، وكوبا، وتركيا، وإيرلندا، والدول التي أعلنت انضمامها العام 2025: بيليز، والبرازيل - حيث قدّمت كلَّ البراهينِ القانونية، التي تتهم فيها إسرائيل بارتكاب أعمال إبادة جماعية ضد الفلسطينيين، وأكَّدت أن الاحتلال الصهيوني أخفق في الردّ على الأدلّة المقدّمة.

ومن المهم تسليط الضوء على مبادرات شعبية شديدة الأهمية، شارك فيها متطوعون/ات من المجتمع المدني، من جنسيات متعددة، مثل «مبادرة أسطول الصمود العالمي»، الذي شكَّل أكبر تحرّك بحري دولي مدني لدعم غزة، انطلقت في تموز 2025، بهدف كسر الحصار على قطاع غزة، إبّان الإبادة الجماعية، والتي تشكلت من أربعة كيانات رئيسة: «الحركة العالمية نحو غزة»، و»تحالف أسطول الحرية»، و»أسطول الصمود المغاربي»، ومبادرة «صمود نوسانتارا» الشرق آسيوية، وضم أكثر من خمسين سفينة، شارك فيها آلاف المشاركين/ات من أكثر من 44 دولة.

ورغم أن مبادرة الأسطول العالمي لم تحقق أهدافها في كسر الحصار على القطاع، وتقديم المساعدات الإنسانية لشعب غزة، لكنها نجحت في كسر الصمت، ورفعت الصوت مدوّياً لتفضح جرائم الحرب، وازدواجية المعايير، والتواطؤ، وتدعو إلى إنهاء الإبادة الجماعية في غزة، والعدالة لفلسطين.

كما شاركت في كسر الصمت مبادرة «محكمة غزة الدولية» المستقلة، «محكمة للضمير والإنسانية»، التي شكّلها علماء قانون، ونشطاء حقوق الإنسان، وأكاديميون/ات، ومثقفون/ات، في لندن، في تشرين الثاني 2024، برئاسة المقرّر الخاص السابق للأمم المتحدة المعني بفلسطين، د. ريتشارد فولك؛ بسبب إخفاق المجتمع الدولي في تطبيق القانون الدولي في غزة.

ومن الجدير بالذكر أن الجلسة الأخيرة للمحكمة، في جامعة إستانبول، يوم 26 تشرين الأول، عرضت أدلة عديدة على جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل وحلفاؤها، وناقشت جرائم الحرب، وتدمير البنية التحتية، وتواطؤ النظام الدولي، ومفهوم المقاومة، والتضامن، بعد أن استمعت إلى شهادات من صحافيين من غزة كانوا شهوداً على الإبادة، بينهم شهداء كانوا قد سجّلوا شهاداتِهم قبل قتلهم، بالإضافة إلى شهادات ناشطين شاركوا في «أسطول الصمود العالمي» لكسر الحصار.

وأصدرت بعد ذلك قرارها بأن استخدام دولة الاحتلال الإسرائيلي التجويع سلاحاً، والحرمان من الرعاية الطبية، والتهجير؛ ما هي إلّا أدوات للعقاب الجماعي والإبادة الجماعية.

وأكَّدت أن إسرائيل هي دولة فصل عنصري، يستند إلى أيديولوجيا الصهيونية، ودعت إلى ضرورة بناء حركة عالمية ضد الصهيونية، عبر العمل السياسي، والقانوني، والاقتصادي، والأكاديمي، والثقافي، والتكنولوجي، والاجتماعي.

*****

كم هو مهم أن نبني على التضامن العالمي العابر للقوميات، الذي ينتصر للقضايا العادلة، وفي القلب منها قضية فلسطين!

كم هو مهم أن نمضي قدماً في التوثيق البصري والسمعي لشهادات شهود العيان على التهجير، والتطهير العرقي، والإبادة الجماعية، والإبادة المعرفية، والإبادة الإنجابية، والإبادة الجندرية، لإنتاج أرشيفات، تساهم في تفكيك الرواية الصهيونية المضلِّلة، وإغناء الرواية التاريخية الفلسطينية، في مواجهة تدمير وسرقة وتزوير الأرشيفات الفلسطينية، التي تحتوي على مئات آلاف الوثائق التاريخية، منذ العام 1948.

كم هو مهم أن نعزِّز حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS)، وأن نبني تحالفات عالمية، مع شعوب العالم، للعمل على قضايا مشتركة، على المستويات السياسية، والقانونية، والتكنولوجية، والأكاديمية، والثقافية، والاقتصادية، والاجتماعية؛ لنناضل معاً ضد الاستعمار، والإمبريالية، والاحتلال، والعسكرة، واللامساواة، والعنصرية، والإفلات من العقاب، ولنناضل معاً من أجل الاستقلال، وتقرير المصير، ولترسيخ قيم العدل والحق والمساواة والكرامة الإنسانية، عبر العالم.