رحلات مشبوهة للهجرة من غزة.. تجربة عائلات تحت مظلة مؤسسة "المجد أوروبا"
نشر بتاريخ: 2025/12/01 (آخر تحديث: 2025/12/05 الساعة: 21:16)

كشفت تحقيقات صحفية أن عدداً من سكان قطاع غزة غادروا مؤخراً إلى دول أوروبية وأفريقية عبر رحلات نظمتها مؤسسة تحمل اسم "المجد أوروبا"، وسط ظروف أمنية وإنسانية صعبة واستغلال للحرب المستمرة في القطاع.
لأشهر عدة، تواصلت جنين (ب)، إحدى سكان دير البلح وسط قطاع غزة، مع ممثلي إعلان ممول عبر وسائل التواصل الاجتماعي يروج للهجرة إلى أوروبا، مستغلاً الوضع الإنساني الصعب والحرب المستمرة في القطاع. الإعلان الذي حمل اسم مؤسسة "المجد أوروبا"، أثار تساؤلات حول مصداقيته، غير أن جنين اضطرت للمجازفة، بحثاً عن حياة آمنة لها ولعائلتها بعد عامين من الحرب المستمرة.

رحلة محفوفة بالمخاطر

الوصول إلى أشخاص غادروا غزة عبر هذه الرحلات لم يكن سهلاً، نظراً للسرية المشددة والظروف الأمنية والإنسانية الصعبة، إضافة إلى عدم استقرار أوضاعهم القانونية في الدول التي وصلوا إليها. وبشبكة ثقة محدودة، تمكنت الصحيفة من التواصل مع جنين، التي فضلت عدم الإفصاح عن هويتها الكاملة، خشية أي تبعات.

تروي جنين أنها كانت مترددة في البداية، لكنها قررت التواصل مع الرقم المرفق بالإعلان، بعد أن تأكدت أن المحادثة تجري مع أرقام إسرائيلية. وبعد التأكد من جدية الطرف الآخر، سجلت هي وزوجها وأطفالها الثلاثة ضمن الراغبين في الهجرة، بعد تلقيهم تطمينات بأن دفع المبلغ المالي، الذي بلغ 1500 دولار عن كل فرد، هو مجرد "خطوة أخيرة" في العملية.

إجراءات أمنية مشددة وفحص للأسماء

استمرت جنين في التواصل مع القائمين على المؤسسة لمعرفة مواعيد السفر، حيث أكدت لها المؤسسة وجود فحوصات أمنية مشددة لكل مسافر، للتأكد من عدم انتمائه لأي فصيل فلسطيني يُصنف على أنه إرهابي. وبعد ثلاثة أشهر ونصف، تلقت العائلة إشعاراً بالاستعداد للسفر خلال ست ساعات، مع ضرورة إحضار الأوراق الثبوتية فقط، بعد تحويل المبالغ المطلوبة عبر حسابات العملات المشفرة.

من دير البلح إلى مطار رامون

في نهاية أكتوبر، غادرت العائلة وسط حافلة صغيرة من قرب دير البلح، برفقة نحو 40 شخصاً آخرين، عبر مناطق تحت السيطرة الإسرائيلية وصولاً إلى معبر كرم أبو سالم، ثم إلى مطار رامون الإسرائيلي في النقب، ومن هناك إلى جنوب أفريقيا. خلال الرحلة، رافقتهم طائرتان مسيرتان حتى وصولهم إلى نقطة العبور.

كانت عائلة جنين جزءاً من الرحلة الأولى التي نظمتها مؤسسة "المجد أوروبا"، والتي سهلت وصولهم إلى جنوب أفريقيا عبر دولة ثالثة، في ظروف أفضل مما واجهه فلسطينيون آخرون سافروا عبر طرق مماثلة، حيث واجهوا احتجازاً طويلًا بسبب نقص الأوراق الرسمية.

رحلات متكررة ومصداقية المؤسسة

أظهرت شهادات عدة أن المؤسسة نظمت ثلاث رحلات من غزة بين مايو ونوفمبر 2025، توزعت بين إندونيسيا وجنوب أفريقيا، مروراً بمطارات رامون ونيروبي. وتعرف المؤسسة نفسها على موقعها الإلكتروني كمنظمة إنسانية ألمانية تأسست عام 2010، وتدعي تقديم المساعدات للمجتمعات المسلمة في مناطق النزاع. لكن التحقيقات الميدانية كشفت أن مقرها المعلن في حي الشيخ جراح بالقدس غير موجود فعلياً.

وتثير المؤسسة جدلاً حول علاقتها بمنظمة الصحة العالمية، خصوصاً فيما يتعلق بتسهيل سفر المرضى للعلاج، إضافة إلى تسيير رحلات أخرى تحت ستار التنسيق مع الهيئات الدولية.

اتهامات وتحقيقات إسرائيلية

كشف تحقيق نشرته صحيفة "هآرتس" العبرية أن المؤسسة مرتبطة بشركة "تالنت غلوبس" الإسرائيلية-الإستونية، وتنسق مع وزارة الدفاع الإسرائيلية لتسهيل "الهجرة الطوعية" للغزيين. تأسست آليات التنسيق مع السلطات الإسرائيلية في فبراير 2025، عقب اقتراح الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب بفتح باب الهجرة الطوعية للقطاع.

في المقابل، تؤكد المؤسسة أنها تتعرض لحملة تشويه، وتنفي أي علاقة بالموساد أو أي جهات استخباراتية، مؤكدة أنها تعمل على حماية حرية اختيار السكان وتسهيل مغادرتهم لأسباب إنسانية.

ردود فعل فلسطينية

حركة حماس في غزة لم تكن على علم بتفاصيل هذه الرحلات، وتركز حالياً على منع أي محاولات مستقبلية مشبوهة، مع السماح بالسفر لأسباب علاجية وإنسانية رسمية. أما السلطة الفلسطينية، فقد أصدرت تحذيرات رسمية من الوقوع ضحية شبكات تهجير غير قانونية، وأكدت متابعة المؤسسة واتخاذ الإجراءات القانونية ضدها.

مخاطر مستمرة

على الرغم من الجدل والاتهامات، لا تزال مؤسسة "المجد أوروبا" تنشر إعلانات ممولة وتستقبل طلبات الراغبين في السفر عبر موقعها وصفحتها على "فيسبوك"، فيما يبقى مصير العديد من المغادرين مجهولاً بعد وصولهم إلى الدول المستقبلة، ويواجهون صعوبات في الاستقرار ومتابعة المؤسسة لهم بعد مغادرتهم.