غزة تحت الأنقاض.. حين يتحول الركام إلى مأوى والمطر إلى حكم بالإعدام
نشر بتاريخ: 2025/12/22 (آخر تحديث: 2025/12/22 الساعة: 12:04)

رغم ما لحق بها من أضرار جسيمة أو انهيارات جزئية، اضطر كثير من سكان قطاع غزة إلى الاحتماء داخل بنايات مهددة بالسقوط، متجاهلين تصدعات جدرانها وأجزائها المدمرة، في ظل غياب أي بدائل آمنة. فبالنسبة لهم، تبقى هذه الأبنية خياراً أقل قسوة من خيام مكتظة، تعصف بها الرياح وتغمرها الأمطار، وتفتقر إلى أدنى مقومات الحياة الإنسانية الآمنة.

وخلال أيام من الرياح العاتية والأمطار الغزيرة التي ضربت القطاع، شهدت مناطق عدة انهيارات مأساوية، إذ سقط ما لا يقل عن 20 منزلاً وبناية خلال عشرة أيام، ما أسفر عن وفاة أكثر من 15 فلسطينياً. وفي هذا السياق، حذر المتحدث باسم جهاز الدفاع المدني في غزة من خطورة التأخير والمماطلة في ملف إعادة الإعمار، مؤكداً أن استمرار الوضع الحالي ينذر بكوارث إنسانية إضافية.

وفجر الأحد، انهارت بناية سكنية في حي الشيخ رضوان شمال مدينة غزة، ما أدى إلى وفاة خمسة أفراد من عائلة واحدة، بينهم زوجان وابنتاهما وحفيدتهما التي سبق أن فقدت والدها وإخوتها خلال القصف الإسرائيلي. وتمكنت طواقم الدفاع المدني من إنقاذ ثلاثة أشخاص من تحت الأنقاض، في مبنى كان يعاني أضراراً جزئية ويتكون من عدة طوابق.

ووفق معطيات محلية، شهد حي الشيخ رضوان وحده انهيار ما لا يقل عن ست بنايات خلال الأيام العشرة الماضية، فيما سجلت انهيارات أخرى في أنحاء متفرقة من مدينة غزة، خاصة في أحيائها الغربية والشمالية، مثل النصر، ومخيم الشاطئ، وتل الهوى.

ويرجح مختصون أن تكون عمليات النسف الإسرائيلية باستخدام عربات مفخخة أحد العوامل الرئيسة وراء تصاعد وتيرة التصدعات والانهيارات، حيث تؤدي التفجيرات الضخمة إلى هزات عنيفة تمتد آثارها لمسافات بعيدة. وتستمر هذه العمليات على جانبي ما يعرف بـ«الخط الأصفر»، رغم سريان اتفاق وقف إطلاق النار منذ العاشر من أكتوبر الماضي.

مراكز إيواء مهددة بالانهيار

وفي هذا الإطار، أكد المتحدث باسم جهاز الدفاع المدني في غزة، محمود بصل، أن أكثر من 90 بناية سكنية باتت مهددة بالانهيار نتيجة الأضرار الجزئية التي لحقت بها، ويقيم فيها آلاف المواطنين الذين لا يجدون مأوى بديلاً. وأوضح أن فرقاً متخصصة أجرت جولات ميدانية طالبت خلالها السكان بإخلاء عدد من المباني الخطرة، وحذرت من انهيارات محتملة في أي لحظة.

وأشار بصل إلى أن الجهاز يواجه نقصاً حاداً في الإمكانات والمعدات، ما يحد من قدرته على التدخل الفاعل عند وقوع الانهيارات، لافتاً إلى الاعتماد على أدوات بدائية في عمليات الإنقاذ وانتشال العالقين تحت الأنقاض.

وأضاف أن مراكز الإيواء نفسها تتعرض للغرق جراء الأمطار الغزيرة، ما يثير مخاوف النازحين من انهيار أجزاء منها، خاصة أن معظمها متضرر بفعل القصف السابق. ودعا إلى تحرك عاجل لإغاثة السكان وتوفير الاحتياجات الطارئة، بما في ذلك إدخال الكرافانات، تمهيداً لانطلاق عملية إعادة إعمار حقيقية، محذراً من أن استمرار التسويف سيؤدي إلى سقوط مزيد من الضحايا.

وكانت المديرية العامة للدفاع المدني قد جددت مناشدتها لسكان غزة بضرورة إخلاء المباني التي تعرضت للقصف وصُنفت «غير صالحة للسكن»، مشيرة إلى تسجيل انهيارات جزئية أو كلية في 22 منزلاً وبناية منذ بدء المنخفض الجوي، ما أدى إلى وفاة 18 شخصاً، بينهم أربعة لا يزالون مفقودين تحت الأنقاض، فيما قدرت وزارة الداخلية عدد المباني المنهارة بنحو 46.

خروقات متواصلة ومنظومة صحية على شفا الانهيار

يتزامن ذلك مع استمرار الخروقات الإسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار، حيث استشهد ثلاثة فلسطينيين جراء استهدافهم بطائرة مسيرة في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وأصيب آخران في الشجاعية وجباليا البلد. كما شيع فلسطينيون، السبت، سبعة شهداء من عائلة واحدة بعد قصف مدفعي استهدف مركز إيواء بحي التفاح أثناء احتفال عائلي.

ومنذ دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في العاشر من أكتوبر الماضي، استشهد أكثر من 400 فلسطيني نتيجة الخروقات الإسرائيلية المستمرة.

وفي موازاة ذلك، حذرت وزارة الصحة في غزة من استنزاف غير مسبوق للمنظومة الصحية بعد عامين من الحرب والحصار، أدى إلى تراجع حاد في القدرة على تقديم الخدمات الطبية، ونفاد واسع في الأدوية والمستهلكات الطبية والمواد المخبرية. وأفادت بأن العجز شمل 321 صنفاً من الأدوية الأساسية و710 أصناف من المستهلكات الطبية، إضافة إلى نقص كبير في مستلزمات الفحوصات المخبرية وبنوك الدم.

وأوضح مدير دائرة الصيدلة بوزارة الصحة، علاء حلس، أن نسب العجز في خدمات الطوارئ والعناية المركزة تنذر بحرمان مئات الآلاف من المرضى من الرعاية اللازمة، مشيراً إلى أن 70 في المائة من أدوية علاج السرطان غير متوفرة، ما أدى إلى وفاة عدد من المرضى. ووجه حلس نداءً عاجلاً إلى الجهات المعنية للتحرك الفوري وضمان وصول الإمدادات الطبية، حفاظاً على ما تبقى من القدرة الصحية في القطاع.