نشر بتاريخ: 2022/06/10 ( آخر تحديث: 2022/06/10 الساعة: 08:43 )
توفيق أبو خوصة

الانتخابات في النقابات والإصلاح السياسي

نشر بتاريخ: 2022/06/10 (آخر تحديث: 2022/06/10 الساعة: 08:43)

إن أعمال الديمقراطية في الجسم النقابي الفلسطيني بامتداداته المختلفة يشكل مطلباً وهدفا مركزياً، سواء في النقابات المهنية أو العمالية أو الاتحادات الطلابية في الجامعات والمؤسسات التعليمية، إذ تزداد الحاجة الوطنية و الأخلاقية والحضارية لتفعيل المسار والخيار الديمقراطي في هذه المكونات الجماهيرية خصوصاً بعد تغييب وغياب الحياة الديمقراطية قسراً عن الشعب الفلسطيني و مصادرة حقه الأصيل في اختيار ممثليه و قياداته المنتخبة على مستوى المؤسسات الرسمية (منظمة التحرير الفلسطينية / السلطة الوطنية الفلسطينية)، من هنا تبرز الأهمية في تعميق الممارسة الديمقراطية وإعلاء شأنها باعتبارها الخيار الوحيد للإصلاح السياسي وتجديد الشرعيات واختيار القيادات ومنحها الثقة والصلاحية لإدارة الشؤون العامة وفق القانون و حسب الأصول .

بناء على ما تقدم يفترض أن يحرص الكل الوطني على تقديم النموذج الديمقراطي الأمثل بمعزل عن الشكليات التي يتم الاختباء خلفها، لأن مفاهيم ومحددات العملية الديمقراطية لا تنحصر فقط بالذهاب إلى صندوق الاقتراع وإعلان نتائج فرز وعد الأوراق الانتخابية، هذا عندما يتعلق الأمر بعقلية هذا الفريق أو ذاك من المتنافسين التي تهدف إلى استثمار الفوز أو الخسارة في حسابات أخرى، لذلك لا يعنيها سوى النتائج النهائية من عدد الأصوات أو المقاعد التي يحققها حتى باللجوء لممارسة أبشع الطرق الميكيافيلية من عوامل و أدوات السلطة والنفوذ والتأثير الشخصي والنفسي والوظيفي على الشريحة المستهدفة من الناخبين، بما فيها تدخلات الأجهزة الأمنية للتأثير في نتائج العمليات الانتخابية الصغيرة و الكبيرة منها، بكل ما يمثله ذلك من تناقض وتقويض لقواعد إعمال الديمقراطية الصحيحة و الحقيقية في الواقع، من هنا يجب الحد من هيمنة العامل السياسي والسلطوي على كل ما هو نقابي، ووقف التفكير و السلوك الحزبي الذي يتغلب على متطلبات المصلحة النقابية حتى يتوفر التوازن بين النقابي و الحزبي على أسس ديمقراطية في إطار الجدلية القائمة بينهما، بما يمنح الأجسام و المكونات النقابية حقها في أن تكون شريك فاعل في عملية التغيير و الإصلاح السياسي، على الأقل باعتبارها جهات تمثيلية حقيقية لا يقارن بها الكثير من القوى السياسية على الساحة، و تأخذ دورها في النضال النقابي الجاد للدفاع عن الحقوق المهنية و المطلبية الأخرى وتطويرها في الأجسام النقابية بالقطاعات المختلفة وترسيخ أهميتها و حضورها في المشهد العام و ليس فقط جذب الاهتمام الحزبي و الوطني في مرحلة الانتخابات ومن ثم تدخل عالم النسيان و التجاهل حتى الانتخابات التالية، لذلك إن تعميم الثقافة والمفاهيم الديمقراطية ضرورة واجبة لا مناص عنها في أوساط الحركة النقابية عموما، و أن ترتقي القوى السياسية و الحزبية و السلطات الحاكمة إلى مستوى التمسك بهذه الثقافة و المفاهيم وترجمتها إلى سلوك والتزام فعلي يجنبها الوقع في المثالب و الانحراف عن المنهج الديمقراطي الذي تتغنى به ليل نهار، وتركيز جهودها في المساعدة على تفعيل و تنشيط أعضائها من النقابيين ودفعهم للقيام بدورهم ومهامهم الطبيعية في التشكيلات النقابية ذات الصلة و توفير الدعم المادي و المعنوي اللازم لهذا الغرض، حيث لا يعقل أن تلجأ القوى السياسية إلى شراء الأصوات والذمم عبر تسديد الاشتراكات بالنيابة عن أعضائها ومناصريها والصرف على الحملة الانتخابية بحساب أو دون حساب، ومنهم من يلتزم بالتصويت لمرشحيها وتحالفاتها أو ينتخب غيرها ( وهي وصفة فاسدة و مفسدة من حيث المبدأ )، من أجل تأكيد حضورها أو الفوز بتمثيل ما في مجلس هذه النقابة أو تلك، حتى و إن كان ممكن تفهم بعض الحالات الخاصة التي يتم تسديد بدل اشتراكات العضوية التي تتيح لها المشاركة في العملية الانتخابية من منطلق أنها استثناء و ليس القاعدة.

إن تفعيل و إعمال الديمقراطية على مستوى الأجسام النقابية على ما فيه من عورات يمكن تداركها يعتبر ضرورة وطنية يجب تعميمها على مختلف المستويات، فهي مدخل مناسب ورافعة إيجابية للانتقال إلى إنفاذ الخيار الديمقراطية كقاعدة عامة في إدارة الشأن العام و تطبيقه على مستوى النجاح في إجراء الانتخابات العامة للرئاسة و المجلس التشريعي و المجلس الوطني الفلسطينية و تجديد الشرعيات الرسمية التي تقادمت وفقدت الصلاحية القانونية والدستورية وصفتها التمثيلية المعبرة عن إرادة الشعب الفلسطيني في ظل مرحلة خطيرة تقتضي إعادة بناء النظام السياسي على أسس جديدة بما يتلاءم مع حجم التحديات القائمة، فلسطين تستحق الأفضل. لن تسقط الراية.