"الثالث من آب: صوتُ غزة والمخيمات في وجه الإبادة... يومٌ وطنيٌّ وعالميٌّ للكرامة والمقاومة"

بن معمر الحاج عيسى
"الثالث من آب: صوتُ غزة والمخيمات في وجه الإبادة... يومٌ وطنيٌّ وعالميٌّ للكرامة والمقاومة"
الكوفية في زمنٍ تتكالب فيه قوى الظلم على ما تبقى من كرامة الشعوب، وتُستباح فيه الأرض والذاكرة والمستقبل على مذبح الاحتلال، ينهض الفلسطينيون مجددًا، لا بالندب ولا بالشكوى، بل بالفعل، بالإعلان، وبالتحرك الشعبي المقاوم. هكذا جاء الثالث من آب، لا كتاريخٍ جديد في الرزنامة، بل كيومٍ مفصليٍّ يُضاف إلى سجلات المجد الفلسطيني، ويُعلن على رؤوس الأشهاد أن صوت غزة والأسرى والمخيمات لن يُخرس، وأن معركة الوجود لن تنتهي بصمت المذبوحين، بل بنداء الأحياء.
في قاعة بلدية البيرة، اجتمع الممثلون عن القوى الوطنية والإسلامية، مؤسسات الأسرى، هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، ودائرة شؤون اللاجئين، بدعم من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ومحافظة رام الله والبيرة، ليطلقوا معًا هذا اليوم الكبير: الثالث من آب يومًا وطنيًا وعالميًا لرفض الإبادة الجماعية، والاستيطان، والتهجير، ولنصرة غزة الصامدة وأسرى الحرية.
لم يكن مجرد لقاء، بل حدثًا بحجم المرحلة، إذ أعلن المتحدثون سلسلة من الفعاليات الممتدة من الضفة وغزة، إلى مخيمات اللجوء في لبنان وسوريا، وصولًا إلى عواصم الشتات والتضامن حول العالم. ففي كلماتهم، لم يكن التوصيف تقريريًا بل تحريضيًا، حافزًا على العمل، على النضال، على إشعال شرارات الفعل الشعبي الممتد من الجرح إلى الحلم.
أمين شومان، رئيس الهيئة العليا لمتابعة شؤون الأسرى، افتتح اللقاء بجملة لا تنقصها الجرأة ولا الصدق: "نحن نخوض معركة الوجود والكرامة". وكأنه يختصر الحالة الفلسطينية كلها في معادلة واحدة: إما أن نكون أو لا نكون. وفي زمن يُباد فيه أطفال غزة، ويُهجّر أهل الضفة، ويُقتل اللاجئ في صمته المزمن، تصبح الكرامة مسألة حياة أو موت.
واصل أبو يوسف، من اللجنة التنفيذية، أكد أنّ هذا اليوم قد تم تبنّيه رسميًا من قبل منظمة التحرير، وأن الفعاليات لن تكون مجرد تجمهر رمزي، بل موجة من الاعتصامات والأنشطة في مناطق المواجهة، من مسافر يطّا إلى الأغوار، ومن عين الحلوة إلى بيروت، ومن اليرموك إلى طرابلس. يومٌ عالميٌّ بمذاق فلسطينيٍّ خالص، يومٌ يُشهر الكف في وجه المحو.
أما مؤيد شعبان، رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، فذهب أبعد حين قال: "الصراع مع الاحتلال صراع وجود على كل شبر من فلسطين". وفي قوله هذا انكشاف تام لحقيقة المأساة: لسنا إزاء نزاع حدود، بل إزاء محاولة اجتثاث. ولذلك، لا عجب أن يكون هذا اليوم يومًا شعبيًا بالمقام الأول، فالرهان اليوم، أكثر من أي وقت مضى، على الناس، على من تبقى واقفًا في وجه الجرافات والمستوطنين.
في ذات السياق، حذّر محمد عليان من دائرة شؤون اللاجئين، من الإبادة البطيئة التي تتعرض لها المخيمات، إبادة لا تأتي بالصواريخ فقط، بل بسياسات التجويع والتهميش والطرد الممنهج. وهنا يلتقي الموقف مع ما قاله عبد الله الزغاري، رئيس نادي الأسير، حين وصف ما يتعرض له الأسرى في سجون الاحتلال بأنه "أحد أشكال الإبادة الجماعية"، إذ يُقتلون ويُعذّبون ويُهملون طبيًا ويُحرَمون من إنسانيتهم، في وقت يُمنح فيه المحتل كل حصانة ممكنة.
كل الكلمات، رغم اختلاف المواقع والصفات، كانت تصب في جدول واحد: هذا اليوم ليس ترفًا نضاليًا ولا مناسبة خطابية. بل هو تحوّل نوعي في الفعل الفلسطيني، يومٌ للحشد، للزحف الشعبي، للانفجار السلمي في وجه الجريمة المنظمة التي ترتكب بحق فلسطين كل يوم. ولذلك، كان الختام دعوة صريحة لتوسيع رقعة الفعاليات، لإيصال الصوت الفلسطيني، لا كاستغاثة، بل كإعلان ثورة.
في الثالث من آب، سيرفرف صوت الحرية فوق الجراح، وستحمل المخيمات رسالتها إلى العالم: نحن هنا، رغم الجوع والموت، رغم الأسر والخذلان، رغم النكبة والنكسة والصفقات القذرة. نحن هنا، في غزة التي تقاتل وحدها، في الخليل التي تقاوم الاستيطان، في رام الله التي تؤمن بالوحدة، في اليرموك الذي يصارع النسيان، وفي شوارع كل عاصمة تؤمن بأن الحق الفلسطيني ليس وجهة نظر، بل صرخة لا تموت.
التاريخ لا يُكتب في مؤتمرات السلام، بل في ميادين الألم، والثالث من آب سيكون من تلك المحطات التي لا تُنسى، لأنه ببساطة ليس مجرد يوم، بل لحظة قرار: إمّا أن يكون الفلسطيني سيدًا على حكاية شعبه، أو أن يستسلم للمحو. والثالث من آب، كما أُعلن في البيرة، سيكون الصرخة التي تكسر جدار الصمت، وتكتب مجدًا جديدًا بالدم والإرادة.