معاناة قطاع غزة: استخدام ظالم مزدوج

أشرف العجرمي
معاناة قطاع غزة: استخدام ظالم مزدوج
لا شيء يشبه ما يمر به أبناء قطاع غزة من عمليات إبادة جماعية وتهجير وترويع وتجويع. أمور تحدث وتشكل وصمة عار في جبين الإنسانية وكل المدعين بالحرص على حقوق الإنسان، خاصة في الغرب الذي يشكل الداعم الرئيس لإسرائيل والذي يمنحها القدرة على التملص من العقاب والاستمرار بالجرائم التي تحدث بصورة غير مسبوقة في هذا الكون في الحروب والصراعات المشابهة. وفي الوقت الذي تنجح فيه أوروبا في فرض عقوبات على روسيا للمرة الثامنة عشرة بسهولة، تفشل هذه القارة بسبب موقف بعض الدول حتى في مراجعة بنود اتفاق التجارة مع إسرائيل الذي تنص المادة الثانية منه على احترام حقوق الإنسان. وكل الدلائل الدامغة القادمة من غزة والموثقة بالصوت والصورة تقول: إن إسرائيل ليست فقط تنتهك حقوق الفلسطينيين، بل تقوم ضدهم بحرب إبادة جماعية وترتكب كل جرائم الحرب ضدهم بما في ذلك التجويع والقتل جوعاً. ناهيكم عن الموقف الأميركي الذي يتبنى سياسة أقصى اليمين العنصري الفاشي في إسرائيل في السعي لتهجير الفلسطينيين. وتقوم الولايات المتحدة بتقديم كل أشكال الدعم العسكري والمادي والسياسي لإسرائيل، بما في ذلك استخدام حق النقض في مجلس الأمن ضد القارات التي تطالب بوقف إطلاق النار.
ربما لسنا بحاجة للتذكير بالغبن والإجحاف الذي يلحق بالشعب الفلسطيني، ليس فقط من العدو المجرم الذي يحتل أرض فلسطين وينكّل بأهلها، وكذلك من القوى التي تدعي زوراً حرصها على حقوق الإنسان بل وتشن حروباً على دول لم ترتكب جزءاً يسيراً من جرائم إسرائيل. ولكن ما يحدث في غزة، والذي يمثل أكبر جرائم العصر، يستوجب التذكير والتكرار لعل بعض الضمائر تصحو وتخجل من هذا الظلم الذي يحدث تحت مرأى ومسمع الجميع. وهناك حاجة دوماً لوخز الضمائر النائمة أو الميتة في هذا العالم، بعد انفضاح أكذوبة الدول المتحضرة التي تدعي معارضة الاحتلال وخرق القانون الدولي والانتصار لحقوق الإنسان، والتي هي فعلياً تساعد إسرائيل على قتلنا.
هذا فيما يتعلق بالصمت على جرائم إسرائيل والتغطية على جرائمها، لكنّ هناك وجهاً آخر لا بد من الحديث عنه بصراحة ووضوح. فكما أن بنيامين نتنياهو يريد استمرار الحرب لأول فترة ممكنة غير آبه بما يرتكب من جرائم بحق الفلسطينيين، وهو يحاول البقاء على حساب الدم والمعاناة الفلسطينية، هناك أيضاً حركة «حماس» التي تدير المفاوضات مع إسرائيل وتنتهج سياسة مشابهة باللعب على عنصر الوقت؛ ظانة أن الوقت يلعب لصالحها وكلما زادت معاناة الشعب الفلسطيني كانت هناك فرصة للتدخل الدولي لوقف الحرب والتسليم ببقاء «حماس» كطرف مقرر في مصير غزة. أي أن المواطنين الفلسطينيين في غزة يخضعون لاستخدام مأساتهم بصورة مزدوجة من قبل الحكومة الإسرائيلية، التي تريد تحت شعار تحقيق «النصر الكامل» الاستمرار في الحرب إلى أقرب موعد من الانتخابات القادمة، ومن «حماس» التي لا تزال تراهن على الضغط الدولي الذي يمكن أن يتولد نتيجة للكارثة التي يعيشها الناس في غزة.
نحن نعلم ما هي إسرائيل اليوم والتي تتحكم فيها مجموعة إرهابية مجرمة وتمارس أقصى درجات التطرف والعنصرية، ولا نتوقع منها أن تضع مسألة حقوق الفلسطينيين بأي مستوى على أجندتها. وستظل تمارس جرائمها إلى أن تسقط أو تفرض ضدها عقوبات لا تستطيع الحكومة تحمل تبعاتها، وهذا لا يتحقق في هذه المرحلة. ولكن المشكلة مع أبناء جلدتنا كيف أصبحوا إلى هذا المستوى قساة غير مبالين لما يحدث للشعب بسببهم بالدرجة الأولى. ولا يوجد مبرر لعدم السعي لوقف إطلاق النار، خصوصاً أن المسائل التي تختلف عليها كل من إسرائيل و»حماس» ليست ذات أهمية تجعل فقدان حياة ما يقارب من 100 مواطن يومياً، عدا التجويع والإذلال والتشريد والظروف البائسة الأخرى، أمراً محتملاً أو مقبولاً ويمكن التسامح تجاهه.
«حماس» تتحمل مسؤولية كبرى في عدم وقف الحرب، فهي لا تفاوض على فلسطين ولا على أي قضية من قضايا الصراع الجوهرية التي تغيب بشكل كامل ومطلق عن طاولة المفاوضات، بل تفاوض على مصالح «حماس» وفقط «حماس»، وهذا ثمنه دم ومعاناة كبرى. ويمكن للحركة تقديم بعض التنازلات في هذه القضايا الهامشية بالمقارنة مع القتل والموت والكارثة التي تحدث في غزة. ولن يلومها أحد لو قدمت، ولو لمرة واحدة في تاريخها، مصلحة الشعب على تفكيرها الضيق في الصراع على السلطة والنفوذ في اليوم التالي للحرب. ولتعلم «حماس» أنها تفقد ثقة الشعب وتفقد دعمه مع استمرار الحرب، وأن عنصر الوقت ليس في صالحها، بل لصالح المجرم نتنياهو وهو في كل الظروف ضد الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة. فإلى متى تغمض «حماس» عينها عن هذا الوضع الكارثي الذي تسببت فيه بصورة كبيرة؟