مشاهد تدمير منازل المقاومين الفلسطينيين تدمي القلوب، وتجعلنا نستحضر صور مشرفة لكوادر قوات الأمن الوطني، ولأبطال كتائب شهداء الأقصى وهي تستبسل دفاعًا عن أبناء شعبنا، بإجراء بسيط على محركات البحث على الشبكة العنكبوتية تجد مئات النماذج في زمن كانت القيادة الفلسطينية تتخندق مع شعبها في مواجهة قوات الاحتلال، وقطعان المستوطنين.
في أحداث هبة النفق لا زلت أذكر كلمات الشهيد الراحل ياسر عرفات في اجتماع لقيادة التنظيم في مكتبه في "المنتدى" على شاطئ بحر غزة، والتي جعلته الطائرات الحربية الإسرائيلية أثر بعد عين.
يومها أعطى الراحل أبو عمار توجيهاته لقوات الأمن الوطني، وكتائب الأقصى، وكل تشكيلات فتح التحرك لمنع عربدة الجيش، والمستوطنين، على مفارق الطرق في قطاع غزة، وبالفعل هذا ما حدث وكانت انتفاضة عارمة شكلت صفحات ناصعة في تاريخ شعبنا.
سؤال يدور في أذهان الكثيرين مفاده "لماذا لا تمارس القيادة الفلسطينية نفس الدور، وتعطي توجيهات مشابهة للسلطة الوطنية الفلسطينية، وأجهزتها الأمنية والعسكرية، للوقوف عند مسئولياتها في حماية أبناء شعبنا، وتقوم باتخاذ سلسلة من الإجراءات الكفيلة بمنع العدوان الهمجي، الذي تمارسه سلطات الاحتلال ضد شعبنا الأعزل، "قتل -اعتقال -هدم للمنازل"، ولماذا هذا الخنوع؟
لا أجد أي تبرير لحالة الصمت المريب عن هذه الجرائم، وأن يقتصر الدور على الشجب والاستنكار، ومطالبة المجتمع الدولي بتوفير الحماية، الأمر الذي من شأنه تشجيع سلطات الاحتلال على الاستمرار في سياستها العدوانية، والتفنن في ابتداع المزيد من الأساليب القمعية، وممارسة سياسة العقاب الجماعي ضد شعبنا.
بصراحة ليس لدي أي تفسير لما يحدث، وامتناع القيادة من التصدي، وخوض معركة الدفاع في الميدان، وعلى المستوى القانوني وخاصة: أن القانون الدولي الإنساني نظم كثير من النصوص القانونية التي تجرم أعمال القتل، والإرهاب، والاعتقال، وممارسة التعذيب، وسياسة العقاب الجماعي بحق الشعوب المحتلة، ومن باب أولى نجده قد نظم أيضاً حق الدول في الدفاع عن سيادتها ضد العدوان.
وإن اتفاقية جنيف الرابعة لحماية المدنيين نصت صراحة على منع معاقبة أي شخص عن مخالفة، أو جنحة، أو جريمة لم يرتكبها، (مادة 33) " لا يجوز معاقبة أي شخص محمي عن مخالفة لم يقترفها هو شخصياً. تحظر العقوبات الجماعية وبالمثل جميع تدابير التهديد أو الإرهاب، السلب محظور، تحظر تدابير الاقتصاص من الأشخاص المحميين وممتلكاتهم ".
وبالرغم من ذلك تقوم دولة الاحتلال بكل ما هو منافي لأحكام القانون، من حصار، وابعاد، وقتل، وهدم للأعيان المدنية، واستخدام سياسة العقاب الجماعي، مقابل صمت، واستسلام من قبل السلطة، فتجدها "أي سلطات الاحتلال" تقوم بمعاقبة عائلات المناضلين الفلسطينيين الذين يقيمون بتنفيذ عمليات فدائية ضد سلطة الاحتلال، بهدف تشكيل حالة من الردع العام، للقضاء على اي عمل مقاوم.
إن صور الدمار الذي تخلفه عملية تفجير المنازل، وما يلحق من أضرار بالمنازل المجاورة، جراء استخدام كميات أكبر من المتفجرات، ونوعية أكثر فتكا وتدميرا، ينم عن عقلية احتلالية إرهابية، لا تؤمن بالسلام، ولا تحترم العهود والمواثيق، هذا السلوك الاجرامي الممنهج يعيدنا عشرات السنين للخلف، حيث شكلت ذات العقلية منهجية واضحة تم اتباعها بتدمير القرى الفلسطينية، وتهجير سكانها، أبان النكبة في العام 1948، حيث دمرت سلطات الاحتلال أكثر من 500 قرية وبلدة فلسطينية، وقدر عدد المنازل التي قامت بهدمها بنحو 170 ألف منزل.
نعتقد أن على السلطة دور كبير في لجم تغول سلطات الاحتلال، وتوفير الحماية لشعبنا من خلال:
أولًا: صد الاقتحامات اليومية لجيش الاحتلال بالقوة، حتى لو أدى ذلك لمواجهة مسلحة بين قوى الأمن الفلسطينية وجيش الاحتلال، ومنع الجيش من الدخول للمناطق الخاضعة للسلطة الوطنية.
ثانيًا: وقف كل أشكال التعاون مع دولة الاحتلال وتنفيذ مقررات المجلس المركزي بشأن العلاقة مع الاحتلال.
ثالثًا: مقاضاة قادة دولة الاحتلال على جرائمهم بحق شعبنا أمام محكمة الجنايات الدولية.