الزعيم الراحل أبو عمار كان لقبه " القائد العام لقوات الثورة الفلسطينية " وحتى استشهاده كانت تتم مخاطبته بهذه الصفة بالذات، بالرغم من كونه رئيس اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية ورئيس دولة فلسطين ورئيس السلطة الفلسطينية، كما أن القائد المعلم خليل الوزير أبو جهاد حمل صفة " نائب القائد العام لقوات الثورة الفلسطينية"، والإذاعة كانت تسمى صوت الثورة الفلسطينية، فيما كان الشعار المركزي لحركة فتح وما يزال، إنها لثورة حتى النصر حتى النصر حتى النصر.
مراد القول هنا التأكيد على أن الثورة الفلسطينية هي الأساس والأصل الذي غاب عن الثقافة الوطنية والتربية التنظيمية والتعبئة الفكرية والخطاب الإعلامي الفلسطيني، فيما طغى مسمى المقاومة الفلسطينية على الساحة، ولا أعتقد أن هذا التغيير في الخطاب وصياغة الوعي الفلسطيني جاء بالصدفة بل في سياق مسلسل قولبة وصياغة الوعي الوطني الفلسطيني وصراع المفاهيم وحرب المدركات.
هناك فرق كبير في الدلالات والمعاني بين مفاهيم ومنطلقات الثورة والمقاومة، إذ أن الثورة بمفهومها الشامل تعني إحداث التغيير الجذري في واقع فاسد سواء على الصعيد الداخلي أو في مواجهة المحتل الأجنبي، وهذا يفرض الإيمان والقناعة والتضحية والإرادة الواثقة من النصر لإنجاز متطلب ديمومة الثورة حتى تحقيق كامل أهدافها الوطنية التي انطلقت من أجلها وتوسيع دائرة المشاركة الجماهيرية فيها والتفاعل النضالي من خلالها إلى أبعد مدى.
أما المقاومة فهي السعي لإزالة مظهر أو ظاهرة ما مرفوضة في الواقع غير أن أهدافها جزئية ولا ترقى إلى مستوى الشمولية في الفعل والتأثير وبناء الوعي الوطني بشكل استراتيجي، وفي نفس الوقت قد تكتفي بالحلول الوسط مع الخصم أو العدو، وغالبا تعتمد على ردود الأفعال المؤقتة زمانياً ومكانياً وركوب موجة الأحداث أو التماهي معها وفق حساباتها الخاصة.
والأهم في الفوارق القائمة بأن الثورة في الأساس تنطلق من قدرتها على المبادرة بصناعة الفعل الثوري، أما المقاومة فهي رد فعل على سلوكيات ومواقف وظواهر مرفوضة ومفروضة قسراً، في الواقع تتطلب مواجهتها والتصدي لإسقاطها بناء على قناعات محددة قد تكون ثابتة أو متغيرة.
وهنا لابد من الإشارة إلى مسألة هامة وهي أن المقاومة تنقسم إلى نوعين:
الأول هو المقاومة العضوية وتستمد شروط فعلها وقدرتها على الاستمرارية من البيئة الحاضنة والاعتماد على الذات حتى لو كان أثرها أقل.
أما الثاني فهو المقاومة الوظيفية التي تستمد قوتها وشروط ومقومات فعلها ووجودها من خارج مجالها الحيوي حتى وإن كان أثرها أعظم.