أطفال غزة يموتون جوعًا... وصمت العالم يذبحهم مرتين
نشر بتاريخ: 2025/07/21 (آخر تحديث: 2025/07/22 الساعة: 07:32)

في قلب العاصمة الجزائر، وتحت لهيب المشاعر الجريحة، دوّى صوت السفير الفلسطيني د. فايز أبو عيطة في مؤتمر صحفي حارق عقده بمقر سفارة فلسطين، ليضع العالم أمام مرآة الخزي، معلنًا بالفم الملآن: "أطفال غزة يموتون جوعًا"، لا استعارة هنا، ولا مجاز، بل حقيقة دامغة تفضح حقارة الحصار ودموية الاحتلال وتواطؤ النظام الدولي مع جريمة العصر. في كلمته التي بدت كصرخة ضمير تُسمع ولا تُستجاب، كشف السفير عن أرقام تفوق حدود الفهم الإنساني، حيث بلغ عدد الشهداء في قطاع غزة منذ بدء العدوان نحو 58,028 شهيدًا، بينهم أكثر من 17 ألف طفل وقرابة 10 آلاف امرأة، وكأن الاحتلال قرر أن ينفذ تطهيرًا ممنهجًا ضد الطفولة والأنوثة، ضد الحياة ذاتها.

ورغم هول المجازر، لا يبدو أن شهوة الدم الصهيونية قد ارتوت، بل راحت تطبق سياسة التجويع الجماعي، كما وصفها السفير، مجزرة صامتة لا تنقلها الشاشات كما يجب، لكنها تفتك بالأجساد الطرية للأطفال، وتنهش ما تبقى من حياة المرضى والجرحى، البالغ عددهم أكثر من 138 ألفًا، يتلوّون على أسرة من تراب، في ظل غياب الغذاء والدواء، وتدمير متعمّد للبنية الصحية، حيث تم سحق 13 مستشفى بالكامل، ولم يتبقَ سوى 36 مركزًا صحيًا يعمل بشكل جزئي وسط عجز تام وموارد شبه معدومة.

لم يكن حديث السفير سردًا رقميًا باردًا، بل وجعًا إنسانيًا عميقًا، تخللته شهادات صادمة عن جرائم الإبادة الجماعية، وعن الجثث التي ما تزال مدفونة تحت الركام دون أن تجد من ينتشلها، في ظل عجز طواقم الإنقاذ واستمرار القصف، مرجحًا أن عدد المفقودين يفوق أو يساوي عدد الشهداء الموثقين. وأضاف بمرارة أن 230 صحفيًا ارتقوا شهداء تحت القصف المباشر، في محاولة واضحة لإسكات الحقيقة وقتل الكلمة، حتى لا يعلو صوت غزة فوق ركام السياسة الدولية المزدوجة المعايير.

غير أن أكثر اللحظات إيلامًا كانت حين وصف السفير مشاهد ما أسماها بـ"مصائد الموت"، وهي النقاط التي يُفترض أن تقدم فيها المساعدات، لكنها تحولت إلى مسارح دموية يطلق فيها جنود الاحتلال النار على الجوعى، فاستشهد فيها ألف إنسان خلال أيام، فيما مات مئات آخرون جوعًا في المخيمات، والمستشفيات، وزوايا الأحياء التي ضاقت بأصحابها جوعًا وخوفًا وعتمة. لقد أصبحت المساعدات الإنسانية، كما قال، أداة مساومة وابتزاز، سلاحًا آخر في يد الاحتلال، يُمنع دخولها منذ أكثر من 139 يومًا، والهدف هو التهجير القسري وتفريغ غزة من سكانها، ضمن مخطط صهيوني متكامل، يستهدف الأرض والإنسان والذاكرة.

السفير لم يطلب شفقة، ولم يتوسل إحسانًا، بل أطلق نداءً غاضبًا إلى الضمير الإنساني، إلى العالم الذي اختار أن يُغمض عينيه عن مجازر القرن، واكتفى بالشجب الخافت وبيانات القلق العقيم. فغزة اليوم لا تحتضر فقط تحت أنقاض القصف، بل تموت موتًا يوميًا بطيئًا، يمضغ الجوع أكباد أطفالها، وتتحلل الكرامة أمام بوابات مغلقة ومساعدات مكدسة بقرار سياسي مقيت. أطفال غزة لا يحتاجون كلمات، بل مواقف، لا يريدون شعارات، بل أفعالًا توقف هذه المذبحة الجماعية، وتضع حدًا للاستهتار بالحق في الحياة.

في صوته كانت فلسطين تتكلم، وفي دموعه كانت غزة تصرخ، وفي أرقامه كانت المقابر تُحصى، والمذابح تُوثّق، والعالم يُدان بالصمت. لقد قالها السفير بوضوح: "ما يحدث في غزة ليس مجرد حرب، إنه مشروع إبادة"، والعار سيلاحق من شاهد ولم يتحرك، من علم ولم يغضب، من سمع أن أطفالًا يموتون جوعًا... وواصل التفاوض على فتات المواقف.