الصفقة الشاملة… انكسار نتنياهو على صخرة صمود أطفال غزة
نشر بتاريخ: 2025/08/01 (آخر تحديث: 2025/08/02 الساعة: 13:46)

منذ بداية الحراك الدولي لوقف حرب الابادة الإسرائيلية على غزة نهايات عام 2023، أسّست منظومة الاحتلال مشروعها للتطهير العرقي على نموذج "الصفقات الجزئية"، مستخدمة دماء اهلنا كأوراق تفاوض، ومراهِنة على كسر إرادة شعبنا من بوّابة القصف الابادي والتجويع. واختارت حكومة الاحتلال أن تفاوض على الوقت، لا على تبادل الأسرى، وعلى استمرار القتل، لا على إنهائه.

في المقابل، ومنذ الأيام الأولى، ثبّت المفاوض الفلسطيني موقفًا وسياسيًا قاطعًا: وقف حرب الابادة عبر اتفاق شامل يضع حدًا نهائيًا للعدوان الإبادي الاسرائيلي، يضمن تبادل الاسرى، ويفتح الطريق لإعمار ما دمّرته آلة الحرب الاسرائيلية.

ففي 6 تشرين ثاني / نوفمبر 2023، أعلنت حماس رسميًا في بيان نشرته عدة قنوات فضائية عربية أن "أي مباحثات حول الرهائن يجب أن تتم في سياق وقف كامل لإطلاق النار". وفي 12 كانون ثاني / يناير 2024، صرّح عضو المكتب السياسي للحركة، أسامة حمدان، عبر الميادين أن "المعركة في غزة لن تُنهى بصفقات جزئية، بل باتفاق شامل يُنهي الاحتلال ويُعيد الحياة لأهل القطاع". ثم عاد خليل الحية، في 17 نيسان / أبريل 2025، ليؤكد عبر وكالة رويترز أن الحركة "مستعدة لإطلاق جميع الأسرى الإسرائيليين مقابل اتفاق شامل ينهي الحرب، يعيد النازحين، ويضمن إعادة الإعمار"

ورغم تكرار هذا الموقف الفلسطيني، رفضت حكومة الاحتلال – مدعومة بالكامل من واشنطن – هذه الصيغة لعشرات المرات. ففي 30 ايار / مايو 2024، نقلت رويترز عن مصادر دبلوماسية أن حكومة نتنياهو رفضت عرضًا بتبادل جميع الرهائن مقابل وقف شامل للحرب، وطرحت بدلًا عنه خطة "تجزئة المأساة" عبر وقف مؤقت مدته 42 يومًا، يتضمن إطلاق رهائن بشكل تدريجي. وفي 20 نيسان / أبريل 2025، وصفت صحيفة Times of Israel، لسان حال اليمين الحاكم في دولة الاحتلال، المطالب الفلسطينية لصفقة شاملة بأنها "غير واقعية"، مؤكدة أن حكومة نتنياهو تصر على "مقاربة تدريجية" تهدف لاستنزاف الوقت دون إنهاء الحرب.

هذا التعنّت الإسرائيلي نابع من منظور استعماري عنصري يعتبر أن الفلسطيني لا يستحق حياة كاملة، بل هدنة مجتزأة من الأوكسجين. لكن، خلال اليومين الماضيين، انهار هذا الموقف. فنقلت صحيفة Israel Hayom عن نتنياهو ووزير ماليته المتطرف سموتريتش دعمهما الواضح لـ"صفقة شاملة" تشمل إطلاق الرهائن ووقف الحرب دفعة واحدة. أما الانقلاب الأميركي، فجاء على لسان المبعوث ستيف ويتكوف، الذي أبلغ تل أبيب – بحسب Financial Times اول امس – أن "الصفقة الجزئية لم تعد مقبولة، والوقت حان لاتفاق كامل أو فقدان الغطاء الدولي".

هذا الانقلاب لم يولد من فراغ، بل فرضه صمود شعبنا الذي صاغ، بدمه، معادلة الصفقة الشاملة. لم تُجبر حكومة نتنياهو على الانصياع لما هو واقعي ومنطقي بسبب الحسابات الحزبية الداخلية، او جهدٍ سياسي فلسطيني رسمي او فصائلي، بل لأنها اصطدمت بجدارٍ من الكرامة الشعبية التي لم تهتز رغم التجويع، ولم تنكسر رغم القصف والتهجير.

إن تحوّل موقف الاحتلال الإسرائيلي من وهم صفقة مجتزأة إلى واقع صفقة شاملة، بعد أكثر من واحد عشرين شهرًا من جرائم الابادة، يمثّل إقرارًا بالفشل لعقيدة الإبادة ذاتها. وإن انصياع الولايات المتحدة لمعادلة وقف الحرب بصفقة شاملة، لم يأتِ من حرصٍ إنساني، بل من إدراك متأخر أن مجازر غزة، التي وثّقتها The New Yorker وWashington Post وPolitico وغيرها بكثافة ملفتة خلال الشهر المنصرم، أصبحت عبئًا سياسيًا لا أخلاقيًا فقط، خاصة مع بروز شواهد في تحول مفصلي لموقف الشعب الأمريكي باتجاه ادانة الاحتلال ودعم الحق الفلسطيني بالحياة.

فليُسجّل التاريخ أن من رسم ملامح خضوع نتنياهو لمبدأ الصفقة الشاملة لم يكن نتاج مسار دبلوماسي فلسطيني رسمي أو فصائلي، ولا ثمرة صحوة أخلاقية لدى نظام إبادي تجذّرت فيه وحشية تجريد شعبنا من إنسانيته، بل كان صدى أنين طفل غزّي استُشهد في حضن أمّه، فحاصر بدمه الطاهر جلاده، وأجبر أكثر رموز المشروع الصهيوني تطرفاً على الانكفاء عن غطرستهم. لم يكن تراجع نتنياهو وسموتريتش أمام استحقاقات الواقع إلا لحظة انكشاف متأخر لحقيقة واضحة: أن المجازر لم تعد قابلة للتسويق، وأن البشاعة الاجرامية الإسرائيلية، حين تُوثّق وتُشاهَد، تتحوّل من أداةٍ للردع إلى عبء استراتيجي ثقيل في زمنٍ باتت فيه كاميرا مدوِّن أو مدوَّنة أشد وقعاً من بيانات نظام سياسي رسمي وفصائلي فقد صلته بشعبه وبالزمن.