مركز الميزان يناشد دول وشعوب العالم لإنقاذ حياة أطفال فلسطين
نشر بتاريخ: 2025/08/07 (آخر تحديث: 2025/08/07 الساعة: 19:20)

يأتي الأسبوع العالمي للرضاعة الطبيعية الذي يبدأ من الأول إلى السابع من آب/ أغسطس من كل عام، وسط استشراء المجاعة والتجويع الذي تفرضه قوات الاحتلال الإسرائيلي وتستخدمه كوسيلة من وسائل الحرب في قطاع غزة، ما يحرم كل الأطفال في قطاع غزة من حقهم في الرضاعة الطبيعية، وتسبب في وفاة العشرات منهم جوعاً خلال الأشهر الأربعة الماضية فقط.

لقد حولت قوات الاحتلال الرضاعة الطبيعية كحلم بعيد المنال عن أطفال غزة، بعد أن نال الجوع من سكان قطاع غزة كافة، وخاصة النساء الحوامل والمرضعات، فالمولود يولد بسوء تغذية واضح المعالم من حيث نقص الوزن وهزال الجسم، حيث لا تتناول السيدة الحامل غذاء كاف فهي تجوع في الوقت الذي تحتاج فيه إلى غذاء صحي متنوع وغني بالفيتامينات والبروتينات والمعادن لكي يكون بمقدورها تغذية الجنين أو إرضاع المولود.

وفي الوقت الذي تحتفل فيه البشرية بالأسبوع العالمي للرضاعة الطبيعية، تتحول هذه الممارسة إلى معركة يومية للبقاء على قيد الحياة في قطاع غزة. وتحت وطأة الإبادة الجماعية الإسرائيلية المستمرة منذ نحو عامين واستخدام التجويع كسلاح، أصبحت الرضاعة الطبيعية مستحيلة كنتيجة مباشرة لسياسة التجويع الممنهج التي تنتهجها سلطات الاحتلال. وتعاني الأمهات من سوء التغذية الحاد الذي يحرمهن من القدرة على إنتاج الحليب الكافي، بينما يعاني الرضع من انعدام البدائل الغذائية الآمنة بسبب منع إدخال الحليب الصناعي والعلاجي إلى القطاع بشكل صارم منذ أكثر من أربعة أشهر. هذا بالإضافة إلى أن الحوامل يعانين من سوء التغذية.

يولد الأطفال وهم يعانون من نقص الوزن، وليس لديهم فرصة للتمتع بالرضاعة الطبيعية أو الحصول على الحليب الصناعي أبو بدائله الآمنة بعد الولادة، ما يجعل الموت المحقق هو مصير الأطفال الرضع المحتوم. يذكر أن عدد السيدات يبلغ 50.000 سيدة مرضعة ويبلغ عدد الأطفال الرضع ممن هم دون سن عام 40.000 طفل. ومن نافلة القول إن الرضاعة الطبيعية تستهلك الكثير من الطاقة والعناصر الغذائية من جسم الأم. لذلك، يجب أن تتناول الأم مجموعة متنوعة من الأطعمة لضمان حصول الطفل على جميع الفيتامينات والمعادن الضرورية لنموه وتطوره، وهذا ما أصبح مستحيلاً في ظل اعتماد قوات الاحتلال الإسرائيلي التجويع كسلاح حرب.

وتظهر بيانات صندوق الأمم المتحدة للسكان حول وفيات المواليد الجدد أنه توفي ما لا يقل عن 20 مولوداً جديداً خلال 24 ساعة من الولادة. وأن المواليد الجدد معرضون للخطر بحيث ولد 33% من المواليد - 5,560 - قبل الأوان، أو يعانون من نقص الوزن، أو احتاجوا إلى دخول العناية المركزة لحديثي الولادة. وأن المستشفيات والمرافق الصحية التي لا تزال تعمل جزئياً - تضررت أو دمرت غالبيتها - وتفقد بشكل متزايد قدرتها على إبقاء الأمهات والرضع على قيد الحياة. وأن 70% من الأدوية الأساسية غير متوفرة، ونصف المعدات الطبية تالفة، مما يحد بشدة من إمكانية الحصول على رعاية الأطفال حديثي الولادة الحرجة بنسبة 70%.

هذا وتشير بيانات منظمة الصحة العالمية أنه من بين 74 حالة وفاة مرتبطة بسوء التغذية في عام 2025، حدثت 63 حالة في يوليو - بما في ذلك 24 طفلاً دون سن الخامسة، وطفل فوق سن الخامسة، و38 بالغاً. أُعلن عن وفاة معظم هؤلاء الأشخاص فور وصولهم إلى المرافق الصحية أو توفوا بعد ذلك بوقت قصير، حيث بدت على أجسادهم علامات واضحة على الهزال الشديد. وتلفت بيانات منظمة الصحة العالمية إلى أن ما يقرب من طفل واحد من كل خمسة أطفال دون سن الخامسة يعاني من سوء التغذية الحاد في مدينة غزة. وقد تضاعف سوء التغذية الحاد العالمي (GAM)، الذي يقيس نسبة الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 أشهر و59 شهراً والذين يعانون من سوء التغذية الحاد، ثلاث مرات منذ يونيو، مما يجعل مدينة غزة المنطقة الأكثر تضرراً، فيما تضاعفت المعدلات في أقل من شهر في خان يونس والمنطقة الوسطى. ومن المرجح أن تكون هذه الأرقام أقل من التقديرات نظراً للقيود الأمنية الشديدة على الوصول التي تمنع العديد من العائلات من الوصول إلى المرافق الصحية.

وتشير السيدة (ن. ح) من سكان حي التفاح ونازحة غرب مدينة غزة أنه تم تشخيص طفلها ابن الثلاثة أعوام بسوء التغذية، وأنها حصلت على مكمل غذائي لعلاج سوء التغذية عند الطفل، ولكن الطفل لا يتقبله ولا يريد ان يأكله بسبب سوء طعمه، وهو يبكي دائما ويطلب منها ان تطعمه بيض، ولكن البيض غير موجود في السوق كما هو الحال بالنسبة للمواد الغذائية الأخرى كاللحوم والدجاج والخضار والفواكه، وتشدد السيدة أننا نحن الكبار أصبحنا نعاني من الشرود والإرهاق نتيجة سوء التغذية فبالكاد نحصل على وجبة واحدة في اليوم وعادة ما تكون عدس أو معكرونة، فنحن أصبحنا محرومين من غالبية أنواع الطعام. أطالب كافة الجهات للتدخل لحل هذه المشكلة فالأطفال لا ذنب لهم في هذه الحرب.

تشير بيانات وزارة الصحة الفلسطينية إلى وفاة 188 إنسان فلسطيني من بينهم 94 طفلاً منذ أن أوقفت قوات الاحتلال دخول المساعدات إلى قطاع غزة في الثاني من مارس 2025.

وتشير بيانات منظمة الصحة العالمية إلى أن 71% من سكان غزة يعانون من الجوع الحاد، بينما 98% منهم لا يجدون ما يكفي من الطعام. وبحسب بيان صادر عن وكالات الأمم المتحدة بتاريخ 29 تموز يوليو، أنه بحلول تموز/ يوليو 2025، كان أكثر من 320,000 طفل، ويشكلون جميع الأطفال دون سن الخامسة في غزة، معرضين لخطر سوء التغذية الحاد، بينما يعاني آلاف منهم من سوء التغذية الحاد الوخيم، وهو الشكل الأكثر فتكاً من أشكال نقص التغذية. لقد انهارت خدمات التغذية الأساسية، وبات الأطفال الصغار يفتقرون إلى المياه المأمونة، وبديل لبن الأم، والتغذية العلاجية.

وأشار البيان إلى أنه في حزيران/ يونيو، أُدخل 6,500 طفل لتلقي العلاج من سوء التغذية، وهو أعلى عدد منذ بدء النزاع. ويبدو أن العدد سيكون أكبر في تموز/ يوليو، إذ أُدخل 5,000 طفل لتلقي العلاج خلال أول أسبوعين فقط من الشهر. وبما أنَّ أقل من 15 بالمئة فقط من خدمات الأغذية العلاجية الأساسية تؤدي وظائفها حالياً، بات خطر وقوع الوفيات المتعلقة بسوء التغذية بين الأطفال الرضّع والأطفال الصغار أعلى من أي وقت مضى. وتشير بيانات منظمة الصحة العالمية أنه تم إدخال 73 طفلاً إضافياً يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم ومضاعفات طبية إلى المستشفى في يوليو، مقارنة بـ 39 طفلاً في يونيو، ليصل إجمالي حالات الإدخال الداخلي في عام 2025 إلى 263. فيما تشير بيانات وزارة الصحة الفلسطينية إلى وفاة 188 إنسان فلسطيني من بينهم 94 طفلاً منذ أن أوقفت قوات الاحتلال دخول المساعدات إلى قطاع غزة في الثاني من مارس 2025. كما تؤكد الوزارة أن هذا الوضع له تأثير مدمر على الأمهات الحوامل، حيث تعاني 62 ألف امرأة حامل في القطاع من سوء التغذية الشديد الذي يقوض قدرتهن تغذية الأجنة أو الإرضاع في وقت لاحق.

وتقول إحدى الأمهات: " أنها أنجبت طفلتها أمل في بداية العدوان على قطاع غزة وهي الآن بعمر عام ونصف تقريباً، شخصها الأطباء في عيادة الرمال أنها تعاني من سوء تغذية وهو نتيجة لسوء التغذية التي تعاني منها الأم، فهي تعتمد على الرضاعة الطبيعية فيما الأم لا تتناول غذاءًً يساعدها على الإرضاع فالغذاء لا يكفيها وهو إن وجد رديء وغير متنوع، حيث لا يحتوي على العناصر الغذائية الكاملة، الأسواق خالية تماما من البيض واللحوم والفواكه والخضار، وحتى ما يتوفر من مواد غذائية لسنا قادرين على شرائها، اليونيسيف اعطتنا حصص من المكمل الغذائي ولكنه لا يكفي أبداً، فالمكمل الغذائي يكون لتكملة الغذاء أما أنا فأتناول هذا المكمل كوجبة إفطار أو عشاء يومية .

وتعاني النساء من ظروف معيشية لا إنسانية، حيث يعانين من الجوع، ولاسيما الحوامل والمرضعات اللواتي يشكلن الفئة الأكثر عرضة للخطر، بالإضافة لنقص المياه والجحيم الذي يعانينه في الخيام المهترئة.

وفي هذا السياق أفادت السيدة (ك. ع) وهي أم لأربعة اطفال أيتام اكبرهم عشر سنوات وأصغرهم سنة ونصف وقد استشهد زوجها في 21/1/2024، "فقد أطفالي الطعام والمياه النظيفة والعناية الطبية اللازمة، وظهر عليهم علامات الضعف وعدم القدرة على اللعب والجري، وظهرت بعض الأمراض الجلدية على أجسادهم، وأن طفلها محمد البالغ من العمر 10 أعوام، شخص الأطباء حالته بأنه يعاني من سوء التغذية، وأنه بحاجة ماسة إلى طعام يحتوي على البروتينات والفيتامينات، أشاهده يفقد بشكل مستمر، وغير مناسب لعمره. وتضيف اليوم أبحث لأطفالي فقط عن دقيق لأسد فيه جوعهم، وللأسف المتوفر في الأسواق رائحته كريهة ومليء بالديدان وأسعاره مرتفعة، ولا يوجد طعام آخر لأطعمهم إياه، طوال اليوم... أطفالي يفقدون أوزانهم، وتقل حركتهم، حتى السمع لديهم والبصر في تدهور خطير، لا اريد أن أفقد أطفالي كما فقدت زوجي، فلا املك غيرهم في الحياة".

ويعاني الأطفال الخدج من خطر مضاعف حيث لا تستطيع الأمهات إرضاع أطفالهن طبيعياً، وفي الوقت ذاته لا يتوفر الحليب في الصيدليات، وحال توفره في بعضها فإن أسعاره مرتفعة جداً. وتشير تقارير متواترة عن نداءات استغاثة عاجلة متكررة من قسم الأطفال في مستشفى خان يونس ومستشفى الرنتيسي للأطفال لإنقاذ حياة المئات من الأطفال الخدج الذين يواجهون الموت بسبب انعدام الحليب العلاجي الخاص بهم، ويحذر الأطباء من أن النقص في التغذية لدى الطفل في سنواته الثلاث الأولى لا يؤدي فقط إلى الوفاة أو الأمراض، بل يترك آثاراً دائمة على النمو العقلي والنفسي، قد تلازمه لبقية حياته.

هذا وتشير هيئة الأمم المتحدة للمرأة إلى أن النساء الحوامل والمرضعات يواجهن مضاعفات شديدة ويعانين من الالتهابات وفقر الدم وارتفاع ضغط الدم. وقد عانت حوالي 68% من النساء الحوامل اللواتي شملهن استطلاع هيئة الأمم المتحدة للمرأة من التهابات المسالك البولية وفقر الدم واضطرابات ارتفاع ضغط الدم والنزيف المهبلي أو النزيف. كما أن الافتقار إلى خدمات الصحة الجنسية والإنجابية هو مصدر آخر للقلق.[1]

وليس الجوع وحده هو ما يفتك بالناس، بل أيضاً البحث اليائس عن الطعام، حيث تجبر العائلات على المخاطرة بحياتها من أجل حفنة من الطعام، غالباً في ظل ظروف خطيرة وفوضوية. منذ 27 مايو حتى 5 أغسطس، قتل أكثر من 1568 شخصاً وجرح 11230 أثناء محاولتهم الحصول على الطعام. فيما تواصل سلطات الاحتلال ألاعيبها في تكريس التجويع، فمن إنشاء مؤسسة غزة (الإنسانية) إلى إعلان نتنياهو عن هدن إنسانية والسماح بدخول المساعدات الغوثية، بما في ذلك إلقاءها من الجو، وفي الوقت الذي يحتاج فيه قطاع غزة إلى ما يتراوح بين 600 إلى 800 شاحنة يومياً ولفترة طويلة فإن ما سمحت به سلطات الاحتلال منذ الأحد الموافق 27 يوليو وإلى السبت الموافق 2 أغسطس هو 594 شاحنة فقط، فرضت على سائقيها مسارات تسهل نهبها ونهبت تقريباً بالكامل.

وتشكل الرعاية الصحية للنساء الحوامل أهمية كبيرة وضرورية للحفاظ على حياتهن وحياة الأجنة، حيث فرضت اتفاقية جنيف الرابعة على أطراف النزاع أن تكفل مرور جميع رسالات الأدوية والمهمات الطبية، والترخيص بمرور رسالات الأغذية الضرورية، والملابس، والمقويات المخصصة للأطفال دون الخامسة عشرة من العمر، والنساء الحوامل أو النفاس[2]. ولكن ما فعلته قوات الاحتلال على الأرض هو تدمير مرافق الرعاية الصحية والأجهزة التشخيصية وغيرها من المقدرات الضرورية، بل ان انتهاج جريمة التهجير القسري حرمت النساء وعائلاتهن من أبسط احتياجاتهن، حيث اضطر الغالبية العظمى من سكان قطاع غزة إلى النزوح هرباً من القصف دون أن يتمكنوا في الغالب من حمل متاعهم الشخصي ودفعوا إلى أماكن محدودة لا تتوفر فيها بنية أساسية، وعانوا من حر الصيف وبرد الشتاء في خيام مهترئة بحيث تحول الحصول على حمام إلى حلم، ما أفضى لانتشار الأمراض وتفشيها في ظل نقص المياه ومواد التنظيف والرعاية الصحية في آن معاً.

هذا وتواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي انتهاك اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها[3]، وتشكل جملة جرائمها محاولة واضحة ومعلنة من قبل سلطات الاحتلال لتدمير الفلسطينيين في قطاع غزة بغض النظر عن جنسهم أو لونهم أو دينهم أو حالتهم الصحية، من خلال جرائم القتل الجماعي للمدنيين، وإلحاق الأذى الجسدي والروحي الخطير بهم، وإخضاعهم عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليا أو جزئيا، وفرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة، وهذه الجرائم تظهر جلياً عبر عمليات القتل المنظم للمدنيين ولاسيما الأطفال منهم سواء بالهجمات الحربية التي تتعمد قتل المدنيين أو من خلال التجويع والتعطيش ومنع الرعاية الطبية، بل إن الظروف التي خلقتها قوات الاحتلال أفضت إلى تراجع حاد في الولادات داخل قطاع غزة، حيث أشار صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى انخفاض حاد في الولادات: ففي النصف الأول من عام 2025، سجلت 17,000 ولادة، مما يشكل انخفاضاً كبيراً مقارنةً بـ 29,000 ولادة سجلت خلال نفس الفترة من عام 2022 أي بنسبة 41% في معدل المواليد خلال عامين فقط[4].

تظهر المعطيات الميدانية أن قوات الاحتلال ارتكبت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية على نطاق واسع، وأن أركان جريمة الإبادة الجماعية تنطبق بحذافيرها على مجمل التدابير التي تتخذها تلك القوات، بما في ذلك النية التي تتضح ليس فقط من الأفعال، بل ومن الأقوال المتلاحقة لوزراء بارزين في الحكومة الإسرائيلية وبرلمانيين وإعلاميين والتي تدعو لقتل سكان القطاع بما في ذلك الأطفال ونزعت عنهم صفة الإنسانية ومنعت الإمدادات التي من شأنها حفظ حياة السكان.

وتظهر المأساة في غزة بأن الرضاعة الطبيعية ليست مجرد خيار صحي، بل حولها الاحتلال من حق أساسي وممارسة طبيعية إلى معركة للبقاء والنجاة من الموت المحقق، وأن استمرار تسامح المجتمع الدولي مع تصاعد الإبادة الجماعية يشير إلى انهيار المعايير الإنسانية والأخلاقية، بالإضافة إلى انهيار النظام الدولي ومنظومته القائم على القانون الدولي. إن الفلسطينيين في قطاع غزة ولاسيما النساء والأطفال والمسنين والمرضى ليسوا بحاجة فقط إلى تعاطف العالم معهم، بل إلى تحرك فوري وعاجل لوقف الإبادة الجماعية التي تستهدف حياتهم في الحاضر، وصحة من ينجو منهم في المستقبل، والكف عن التسويف ومنح المجرمين وقت أطول لمواصلة جرائمهم أن الغوث الإنساني وضمان تدفقه هو واجب على الدولة القائمة بالاحتلال وعلى الدول الأطراف في اتفاقية جنيف الرابعة، ويجب ألا يخضع إلى حوار أو تفاهم أو مفاوضات سياسية.

عليه يطالب مركز الميزان بتحرك دولي عاجل وفاعل لضمان:

الوقف الفوري وغير المشروط لإطلاق النار، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى جميع مناطق قطاع غزة بكميات كافية بما في ذلك حليب الأطفال بأنواعه، والطعام والمياه والوقود، ويجب أن تعود محطة توليد الطاقة في قطاع غزة إلى العمل وإلى حين ذلك ضمان تدفق الوقود ومولدات الكهرباء وقطع غيارها وزيوتها لأنه السبيل الوحيد للحفاظ على الخدمات الأساسية المنقذة للحياة سواء المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية أو أبار المياه ومحطات التحلية.

احترام القانون الإنساني الدولي، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وإعمال قرارات محكمة العدل الدولية وآرائها الاستشارية وفي مقدمتها اتخاذ التدابير الكفيلة بإنهاء الاحتلال ومعاقبة كل من يشتبه في ارتكابهم جرائم حرب.

احترام وحماية ما تبقى من منشآت صحية وتلك التي لا غنى عنها لحياة السكان ولاسيما كالمدارس والمستشفيات، ومرافق المياه والصرف الصحي.

الإخلاء الطبي الفوري لآلاف الجرحى والمرضى ولاسيما من النساء والأطفال لحماية حقهم في الحياة وفي الصحة بعد أن دمرت قوات الاحتلال معظم المرافق الصحية ولاسيما المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية بما فيها الأقسام المخصصة لرعاية الأطفال.

مركز الميزان إذ يقدر إعلان بعض الدول نيتها الاعتراف بدولة فلسطين، فإنه يستهجن عدم اتخاذ هذه الدول إجراءات فعلية لوقف الإبادة وإنقاذ الفلسطينيين حتى لا يتحول الاعتراف بالدولة إلى اعتراف بالمقبرة الجماعية. كما يدعو شعوب ودول العالم إلى التحرك ليس فقط من منطلق الواجب القانوني، بل ومن منطلق الواجب الإنساني والأخلاقي، فلا يعقل أن يواصل العالم وشعوبه متابعة هذه الإبادة الجماعية على الهواء ولا يحرك ساكناً.

يأتي الأسبوع العالمي للرضاعة الطبيعية الذي يبدأ من الأول إلى السابع من آب/ أغسطس من كل عام، وسط استشراء المجاعة والتجويع الذي تفرضه قوات الاحتلال الإسرائيلي وتستخدمه كوسيلة من وسائل الحرب في قطاع غزة، ما يحرم كل الأطفال في قطاع غزة من حقهم في الرضاعة الطبيعية، وتسبب في وفاة العشرات منهم جوعاً خلال الأشهر الأربعة الماضية فقط.

لقد حولت قوات الاحتلال الرضاعة الطبيعية كحلم بعيد المنال عن أطفال غزة، بعد أن نال الجوع من سكان قطاع غزة كافة، وخاصة النساء الحوامل والمرضعات، فالمولود يولد بسوء تغذية واضح المعالم من حيث نقص الوزن وهزال الجسم، حيث لا تتناول السيدة الحامل غذاء كاف فهي تجوع في الوقت الذي تحتاج فيه إلى غذاء صحي متنوع وغني بالفيتامينات والبروتينات والمعادن لكي يكون بمقدورها تغذية الجنين أو إرضاع المولود.

وفي الوقت الذي تحتفل فيه البشرية بالأسبوع العالمي للرضاعة الطبيعية، تتحول هذه الممارسة إلى معركة يومية للبقاء على قيد الحياة في قطاع غزة. وتحت وطأة الإبادة الجماعية الإسرائيلية المستمرة منذ نحو عامين واستخدام التجويع كسلاح، أصبحت الرضاعة الطبيعية مستحيلة كنتيجة مباشرة لسياسة التجويع الممنهج التي تنتهجها سلطات الاحتلال. وتعاني الأمهات من سوء التغذية الحاد الذي يحرمهن من القدرة على إنتاج الحليب الكافي، بينما يعاني الرضع من انعدام البدائل الغذائية الآمنة بسبب منع إدخال الحليب الصناعي والعلاجي إلى القطاع بشكل صارم منذ أكثر من أربعة أشهر. هذا بالإضافة إلى أن الحوامل يعانين من سوء التغذية.

يولد الأطفال وهم يعانون من نقص الوزن، وليس لديهم فرصة للتمتع بالرضاعة الطبيعية أو الحصول على الحليب الصناعي أبو بدائله الآمنة بعد الولادة، ما يجعل الموت المحقق هو مصير الأطفال الرضع المحتوم. يذكر أن عدد السيدات يبلغ 50.000 سيدة مرضعة ويبلغ عدد الأطفال الرضع ممن هم دون سن عام 40.000 طفل. ومن نافلة القول إن الرضاعة الطبيعية تستهلك الكثير من الطاقة والعناصر الغذائية من جسم الأم. لذلك، يجب أن تتناول الأم مجموعة متنوعة من الأطعمة لضمان حصول الطفل على جميع الفيتامينات والمعادن الضرورية لنموه وتطوره، وهذا ما أصبح مستحيلاً في ظل اعتماد قوات الاحتلال الإسرائيلي التجويع كسلاح حرب.

وتظهر بيانات صندوق الأمم المتحدة للسكان حول وفيات المواليد الجدد أنه توفي ما لا يقل عن 20 مولوداً جديداً خلال 24 ساعة من الولادة. وأن المواليد الجدد معرضون للخطر بحيث ولد 33% من المواليد - 5,560 - قبل الأوان، أو يعانون من نقص الوزن، أو احتاجوا إلى دخول العناية المركزة لحديثي الولادة. وأن المستشفيات والمرافق الصحية التي لا تزال تعمل جزئياً - تضررت أو دمرت غالبيتها - وتفقد بشكل متزايد قدرتها على إبقاء الأمهات والرضع على قيد الحياة. وأن 70% من الأدوية الأساسية غير متوفرة، ونصف المعدات الطبية تالفة، مما يحد بشدة من إمكانية الحصول على رعاية الأطفال حديثي الولادة الحرجة بنسبة 70%.

هذا وتشير بيانات منظمة الصحة العالمية أنه من بين 74 حالة وفاة مرتبطة بسوء التغذية في عام 2025، حدثت 63 حالة في يوليو - بما في ذلك 24 طفلاً دون سن الخامسة، وطفل فوق سن الخامسة، و38 بالغاً. أُعلن عن وفاة معظم هؤلاء الأشخاص فور وصولهم إلى المرافق الصحية أو توفوا بعد ذلك بوقت قصير، حيث بدت على أجسادهم علامات واضحة على الهزال الشديد. وتلفت بيانات منظمة الصحة العالمية إلى أن ما يقرب من طفل واحد من كل خمسة أطفال دون سن الخامسة يعاني من سوء التغذية الحاد في مدينة غزة. وقد تضاعف سوء التغذية الحاد العالمي (GAM)، الذي يقيس نسبة الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 أشهر و59 شهراً والذين يعانون من سوء التغذية الحاد، ثلاث مرات منذ يونيو، مما يجعل مدينة غزة المنطقة الأكثر تضرراً، فيما تضاعفت المعدلات في أقل من شهر في خان يونس والمنطقة الوسطى. ومن المرجح أن تكون هذه الأرقام أقل من التقديرات نظراً للقيود الأمنية الشديدة على الوصول التي تمنع العديد من العائلات من الوصول إلى المرافق الصحية.

وتشير السيدة (ن. ح) من سكان حي التفاح ونازحة غرب مدينة غزة أنه تم تشخيص طفلها ابن الثلاثة أعوام بسوء التغذية، وأنها حصلت على مكمل غذائي لعلاج سوء التغذية عند الطفل، ولكن الطفل لا يتقبله ولا يريد ان يأكله بسبب سوء طعمه، وهو يبكي دائما ويطلب منها ان تطعمه بيض، ولكن البيض غير موجود في السوق كما هو الحال بالنسبة للمواد الغذائية الأخرى كاللحوم والدجاج والخضار والفواكه، وتشدد السيدة أننا نحن الكبار أصبحنا نعاني من الشرود والإرهاق نتيجة سوء التغذية فبالكاد نحصل على وجبة واحدة في اليوم وعادة ما تكون عدس أو معكرونة، فنحن أصبحنا محرومين من غالبية أنواع الطعام. أطالب كافة الجهات للتدخل لحل هذه المشكلة فالأطفال لا ذنب لهم في هذه الحرب.

تشير بيانات وزارة الصحة الفلسطينية إلى وفاة 188 إنسان فلسطيني من بينهم 94 طفلاً منذ أن أوقفت قوات الاحتلال دخول المساعدات إلى قطاع غزة في الثاني من مارس 2025.

وتشير بيانات منظمة الصحة العالمية إلى أن 71% من سكان غزة يعانون من الجوع الحاد، بينما 98% منهم لا يجدون ما يكفي من الطعام. وبحسب بيان صادر عن وكالات الأمم المتحدة بتاريخ 29 تموز يوليو، أنه بحلول تموز/ يوليو 2025، كان أكثر من 320,000 طفل، ويشكلون جميع الأطفال دون سن الخامسة في غزة، معرضين لخطر سوء التغذية الحاد، بينما يعاني آلاف منهم من سوء التغذية الحاد الوخيم، وهو الشكل الأكثر فتكاً من أشكال نقص التغذية. لقد انهارت خدمات التغذية الأساسية، وبات الأطفال الصغار يفتقرون إلى المياه المأمونة، وبديل لبن الأم، والتغذية العلاجية.

وأشار البيان إلى أنه في حزيران/ يونيو، أُدخل 6,500 طفل لتلقي العلاج من سوء التغذية، وهو أعلى عدد منذ بدء النزاع. ويبدو أن العدد سيكون أكبر في تموز/ يوليو، إذ أُدخل 5,000 طفل لتلقي العلاج خلال أول أسبوعين فقط من الشهر. وبما أنَّ أقل من 15 بالمئة فقط من خدمات الأغذية العلاجية الأساسية تؤدي وظائفها حالياً، بات خطر وقوع الوفيات المتعلقة بسوء التغذية بين الأطفال الرضّع والأطفال الصغار أعلى من أي وقت مضى. وتشير بيانات منظمة الصحة العالمية أنه تم إدخال 73 طفلاً إضافياً يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم ومضاعفات طبية إلى المستشفى في يوليو، مقارنة بـ 39 طفلاً في يونيو، ليصل إجمالي حالات الإدخال الداخلي في عام 2025 إلى 263. فيما تشير بيانات وزارة الصحة الفلسطينية إلى وفاة 188 إنسان فلسطيني من بينهم 94 طفلاً منذ أن أوقفت قوات الاحتلال دخول المساعدات إلى قطاع غزة في الثاني من مارس 2025. كما تؤكد الوزارة أن هذا الوضع له تأثير مدمر على الأمهات الحوامل، حيث تعاني 62 ألف امرأة حامل في القطاع من سوء التغذية الشديد الذي يقوض قدرتهن تغذية الأجنة أو الإرضاع في وقت لاحق.

وتقول إحدى الأمهات: " أنها أنجبت طفلتها أمل في بداية العدوان على قطاع غزة وهي الآن بعمر عام ونصف تقريباً، شخصها الأطباء في عيادة الرمال أنها تعاني من سوء تغذية وهو نتيجة لسوء التغذية التي تعاني منها الأم، فهي تعتمد على الرضاعة الطبيعية فيما الأم لا تتناول غذاءًً يساعدها على الإرضاع فالغذاء لا يكفيها وهو إن وجد رديء وغير متنوع، حيث لا يحتوي على العناصر الغذائية الكاملة، الأسواق خالية تماما من البيض واللحوم والفواكه والخضار، وحتى ما يتوفر من مواد غذائية لسنا قادرين على شرائها، اليونيسيف اعطتنا حصص من المكمل الغذائي ولكنه لا يكفي أبداً، فالمكمل الغذائي يكون لتكملة الغذاء أما أنا فأتناول هذا المكمل كوجبة إفطار أو عشاء يومية .

وتعاني النساء من ظروف معيشية لا إنسانية، حيث يعانين من الجوع، ولاسيما الحوامل والمرضعات اللواتي يشكلن الفئة الأكثر عرضة للخطر، بالإضافة لنقص المياه والجحيم الذي يعانينه في الخيام المهترئة.

وفي هذا السياق أفادت السيدة (ك. ع) وهي أم لأربعة اطفال أيتام اكبرهم عشر سنوات وأصغرهم سنة ونصف وقد استشهد زوجها في 21/1/2024، "فقد أطفالي الطعام والمياه النظيفة والعناية الطبية اللازمة، وظهر عليهم علامات الضعف وعدم القدرة على اللعب والجري، وظهرت بعض الأمراض الجلدية على أجسادهم، وأن طفلها محمد البالغ من العمر 10 أعوام، شخص الأطباء حالته بأنه يعاني من سوء التغذية، وأنه بحاجة ماسة إلى طعام يحتوي على البروتينات والفيتامينات، أشاهده يفقد بشكل مستمر، وغير مناسب لعمره. وتضيف اليوم أبحث لأطفالي فقط عن دقيق لأسد فيه جوعهم، وللأسف المتوفر في الأسواق رائحته كريهة ومليء بالديدان وأسعاره مرتفعة، ولا يوجد طعام آخر لأطعمهم إياه، طوال اليوم... أطفالي يفقدون أوزانهم، وتقل حركتهم، حتى السمع لديهم والبصر في تدهور خطير، لا اريد أن أفقد أطفالي كما فقدت زوجي، فلا املك غيرهم في الحياة".

ويعاني الأطفال الخدج من خطر مضاعف حيث لا تستطيع الأمهات إرضاع أطفالهن طبيعياً، وفي الوقت ذاته لا يتوفر الحليب في الصيدليات، وحال توفره في بعضها فإن أسعاره مرتفعة جداً. وتشير تقارير متواترة عن نداءات استغاثة عاجلة متكررة من قسم الأطفال في مستشفى خان يونس ومستشفى الرنتيسي للأطفال لإنقاذ حياة المئات من الأطفال الخدج الذين يواجهون الموت بسبب انعدام الحليب العلاجي الخاص بهم، ويحذر الأطباء من أن النقص في التغذية لدى الطفل في سنواته الثلاث الأولى لا يؤدي فقط إلى الوفاة أو الأمراض، بل يترك آثاراً دائمة على النمو العقلي والنفسي، قد تلازمه لبقية حياته.

هذا وتشير هيئة الأمم المتحدة للمرأة إلى أن النساء الحوامل والمرضعات يواجهن مضاعفات شديدة ويعانين من الالتهابات وفقر الدم وارتفاع ضغط الدم. وقد عانت حوالي 68% من النساء الحوامل اللواتي شملهن استطلاع هيئة الأمم المتحدة للمرأة من التهابات المسالك البولية وفقر الدم واضطرابات ارتفاع ضغط الدم والنزيف المهبلي أو النزيف. كما أن الافتقار إلى خدمات الصحة الجنسية والإنجابية هو مصدر آخر للقلق.[1]

وليس الجوع وحده هو ما يفتك بالناس، بل أيضاً البحث اليائس عن الطعام، حيث تجبر العائلات على المخاطرة بحياتها من أجل حفنة من الطعام، غالباً في ظل ظروف خطيرة وفوضوية. منذ 27 مايو حتى 5 أغسطس، قتل أكثر من 1568 شخصاً وجرح 11230 أثناء محاولتهم الحصول على الطعام. فيما تواصل سلطات الاحتلال ألاعيبها في تكريس التجويع، فمن إنشاء مؤسسة غزة (الإنسانية) إلى إعلان نتنياهو عن هدن إنسانية والسماح بدخول المساعدات الغوثية، بما في ذلك إلقاءها من الجو، وفي الوقت الذي يحتاج فيه قطاع غزة إلى ما يتراوح بين 600 إلى 800 شاحنة يومياً ولفترة طويلة فإن ما سمحت به سلطات الاحتلال منذ الأحد الموافق 27 يوليو وإلى السبت الموافق 2 أغسطس هو 594 شاحنة فقط، فرضت على سائقيها مسارات تسهل نهبها ونهبت تقريباً بالكامل.

وتشكل الرعاية الصحية للنساء الحوامل أهمية كبيرة وضرورية للحفاظ على حياتهن وحياة الأجنة، حيث فرضت اتفاقية جنيف الرابعة على أطراف النزاع أن تكفل مرور جميع رسالات الأدوية والمهمات الطبية، والترخيص بمرور رسالات الأغذية الضرورية، والملابس، والمقويات المخصصة للأطفال دون الخامسة عشرة من العمر، والنساء الحوامل أو النفاس[2]. ولكن ما فعلته قوات الاحتلال على الأرض هو تدمير مرافق الرعاية الصحية والأجهزة التشخيصية وغيرها من المقدرات الضرورية، بل ان انتهاج جريمة التهجير القسري حرمت النساء وعائلاتهن من أبسط احتياجاتهن، حيث اضطر الغالبية العظمى من سكان قطاع غزة إلى النزوح هرباً من القصف دون أن يتمكنوا في الغالب من حمل متاعهم الشخصي ودفعوا إلى أماكن محدودة لا تتوفر فيها بنية أساسية، وعانوا من حر الصيف وبرد الشتاء في خيام مهترئة بحيث تحول الحصول على حمام إلى حلم، ما أفضى لانتشار الأمراض وتفشيها في ظل نقص المياه ومواد التنظيف والرعاية الصحية في آن معاً.

هذا وتواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي انتهاك اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها[3]، وتشكل جملة جرائمها محاولة واضحة ومعلنة من قبل سلطات الاحتلال لتدمير الفلسطينيين في قطاع غزة بغض النظر عن جنسهم أو لونهم أو دينهم أو حالتهم الصحية، من خلال جرائم القتل الجماعي للمدنيين، وإلحاق الأذى الجسدي والروحي الخطير بهم، وإخضاعهم عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليا أو جزئيا، وفرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة، وهذه الجرائم تظهر جلياً عبر عمليات القتل المنظم للمدنيين ولاسيما الأطفال منهم سواء بالهجمات الحربية التي تتعمد قتل المدنيين أو من خلال التجويع والتعطيش ومنع الرعاية الطبية، بل إن الظروف التي خلقتها قوات الاحتلال أفضت إلى تراجع حاد في الولادات داخل قطاع غزة، حيث أشار صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى انخفاض حاد في الولادات: ففي النصف الأول من عام 2025، سجلت 17,000 ولادة، مما يشكل انخفاضاً كبيراً مقارنةً بـ 29,000 ولادة سجلت خلال نفس الفترة من عام 2022 أي بنسبة 41% في معدل المواليد خلال عامين فقط[4].

تظهر المعطيات الميدانية أن قوات الاحتلال ارتكبت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية على نطاق واسع، وأن أركان جريمة الإبادة الجماعية تنطبق بحذافيرها على مجمل التدابير التي تتخذها تلك القوات، بما في ذلك النية التي تتضح ليس فقط من الأفعال، بل ومن الأقوال المتلاحقة لوزراء بارزين في الحكومة الإسرائيلية وبرلمانيين وإعلاميين والتي تدعو لقتل سكان القطاع بما في ذلك الأطفال ونزعت عنهم صفة الإنسانية ومنعت الإمدادات التي من شأنها حفظ حياة السكان.

وتظهر المأساة في غزة بأن الرضاعة الطبيعية ليست مجرد خيار صحي، بل حولها الاحتلال من حق أساسي وممارسة طبيعية إلى معركة للبقاء والنجاة من الموت المحقق، وأن استمرار تسامح المجتمع الدولي مع تصاعد الإبادة الجماعية يشير إلى انهيار المعايير الإنسانية والأخلاقية، بالإضافة إلى انهيار النظام الدولي ومنظومته القائم على القانون الدولي. إن الفلسطينيين في قطاع غزة ولاسيما النساء والأطفال والمسنين والمرضى ليسوا بحاجة فقط إلى تعاطف العالم معهم، بل إلى تحرك فوري وعاجل لوقف الإبادة الجماعية التي تستهدف حياتهم في الحاضر، وصحة من ينجو منهم في المستقبل، والكف عن التسويف ومنح المجرمين وقت أطول لمواصلة جرائمهم أن الغوث الإنساني وضمان تدفقه هو واجب على الدولة القائمة بالاحتلال وعلى الدول الأطراف في اتفاقية جنيف الرابعة، ويجب ألا يخضع إلى حوار أو تفاهم أو مفاوضات سياسية.

عليه يطالب مركز الميزان بتحرك دولي عاجل وفاعل لضمان:

الوقف الفوري وغير المشروط لإطلاق النار، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى جميع مناطق قطاع غزة بكميات كافية بما في ذلك حليب الأطفال بأنواعه، والطعام والمياه والوقود، ويجب أن تعود محطة توليد الطاقة في قطاع غزة إلى العمل وإلى حين ذلك ضمان تدفق الوقود ومولدات الكهرباء وقطع غيارها وزيوتها لأنه السبيل الوحيد للحفاظ على الخدمات الأساسية المنقذة للحياة سواء المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية أو أبار المياه ومحطات التحلية.

احترام القانون الإنساني الدولي، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وإعمال قرارات محكمة العدل الدولية وآرائها الاستشارية وفي مقدمتها اتخاذ التدابير الكفيلة بإنهاء الاحتلال ومعاقبة كل من يشتبه في ارتكابهم جرائم حرب.

احترام وحماية ما تبقى من منشآت صحية وتلك التي لا غنى عنها لحياة السكان ولاسيما كالمدارس والمستشفيات، ومرافق المياه والصرف الصحي.

الإخلاء الطبي الفوري لآلاف الجرحى والمرضى ولاسيما من النساء والأطفال لحماية حقهم في الحياة وفي الصحة بعد أن دمرت قوات الاحتلال معظم المرافق الصحية ولاسيما المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية بما فيها الأقسام المخصصة لرعاية الأطفال.

مركز الميزان إذ يقدر إعلان بعض الدول نيتها الاعتراف بدولة فلسطين، فإنه يستهجن عدم اتخاذ هذه الدول إجراءات فعلية لوقف الإبادة وإنقاذ الفلسطينيين حتى لا يتحول الاعتراف بالدولة إلى اعتراف بالمقبرة الجماعية. كما يدعو شعوب ودول العالم إلى التحرك ليس فقط من منطلق الواجب القانوني، بل ومن منطلق الواجب الإنساني والأخلاقي، فلا يعقل أن يواصل العالم وشعوبه متابعة هذه الإبادة الجماعية على الهواء ولا يحرك ساكناً.