الإبادة الجماعية بالمجاعة في غزة
نشر بتاريخ: 2025/08/22 (آخر تحديث: 2025/08/22 الساعة: 19:12)

أعلنت الأمم المتحدة اليوم عن المجاعة في قطاع غزة، في أول إعلان رسمي من نوعه في الشرق الأوسط، مؤكدة أن الأزمة كان يمكن تفاديها لولا “العرقلة الإسرائيلية الممنهجة”. وأشارت المنظمة إلى أن المجاعة في غزة “تلحق العار بالعالم”، فيما رفضت إسرائيل هذا التقرير، معتبرة أن الوضع صعب لكنه لا يصل إلى حد المجاعة.

للمرة الأولى في الشرق الأوسط، والخامسة فقط في التاريخ، يُعلن عن حالة مجاعة، في وقت تستعد فيه إسرائيل لاحتلال مدينة غزة. ويقدّم فريق تصنيف مراحل الأمن الغذائي المتكامل (IPC) اليوم ورقة موقف إلى مجلس الأمن، ما من المتوقع أن يزيد الضغط الدولي على إسرائيل بشأن خطتها العسكرية ويعيد النقاش حول مسؤوليتها القانونية والإنسانية تجاه المدنيين.

المنظمة الدولية IPC، التي تعمل بتفويض من الأمم المتحدة، توضح أن إعلان المجاعة يتم فقط عند تحقق ثلاثة معايير صارمة: معاناة 20% على الأقل من الأسر من نقص حاد في الغذاء، معاناة 30% على الأقل من الأطفال من سوء تغذية حاد، ووفاة شخصين على الأقل يوميًا من كل 10,000 نسمة بسبب “الجوع المباشر”. وتشير المنظمة إلى أن هذه الشروط متحققة بالفعل في معظم أنحاء القطاع، خصوصًا في مدينة غزة، حيث يعاني السكان من سوء تغذية حاد. وقد توفي حتى الآن 271 شخصًا بسبب الجوع، بينهم 112 طفلًا، أكثر من نصفهم خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة فقط.

حذّرت IPC من احتمال توسع المجاعة حتى نهاية سبتمبر، لتطال مناطق مثل دير البلح وخان يونس، فيما تم تصنيف أكثر من مليون نسمة بالفعل في مستوى “طوارئ”، الدرجة الثانية من حيث الخطورة. وذكر التقرير:

“بعد 22 شهرًا من حرب إبادة مستمرة، يعيش أكثر من نصف مليون إنسان في غزة في ظروف كارثية من الجوع والفقر والموت.”

في نهاية الشهر الماضي، دعت الأمم المتحدة إلى “تحرك فوري” لإنهاء الحرب وضخ مساعدات منقذة للحياة، لكن لم تُعلن غزة رسميًا عن حالة المجاعة آنذاك، بحجة عدم اكتمال التحليل المعمّق. أما الإعلان الحالي، فهو تاريخي ويعد الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط، ويأتي مع تهديد إسرائيلي باحتلال مدينة غزة بالكامل، ما يزيد المخاطر الإنسانية ويضع السكان المدنيين في قلب كارثة متوقعة.

وكشف وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية أن نظام توزيع المساعدات الإنسانية في غزة تم تفكيكه بفعل إجراءات إسرائيلية مباشرة، بما في ذلك إغلاق المعابر ومنع دخول المواد الغذائية الأساسية، ووقف المساعدات لفترات طويلة. كما يتم إنزال المساعدات الغذائية بالطائرات (الهبوط من الجو)، لكنها تصل فقط لفئات محدودة وتتعرض للنهب، بينما كبار السن والمرضى والأرامل الذين يعتنون بالأطفال محرومون من أي دعم فعال.

في إسرائيل، زُعم أن الوضع في غزة “صعب لكنه لا يصل إلى حد المجاعة”، وأن المسؤولية تقع على حماس. أما المجتمع الدولي، فقد وجه أصابع الاتهام لإسرائيل، باعتبارها الجهة التي أوصلت القطاع إلى هذا الواقع. وقف إسرائيل لتدفق المساعدات الإنسانية لنحو ثلاثة أشهر وفشل (جمعية غزة) الإمريكية الاسرائيلية الأمنية، في تلبية الاحتياجات جعل الواقع الإنساني كارثياً.

تحاول إسرائيل تعزيز روايتها بعدم وجود جوع من خلال صور وفيديوهات للأسواق المزدحمة بالسلع الغذائية، بينما الواقع يظهر خلاف ذلك. الأطفال يعانون من الجوع، والمجتمع المدني عاجز عن الحصول على الغذاء الكافي. الفوضى شاملة؛ لا حماس ولا أي جهة أخرى تدير شؤون الغذاء بشكل فعال، وكل من لديه سلاح، حتى الأطفال، يتمتع بالسيطرة على الموارد.

العديد من المنتجات الأساسية مثل اللحوم الحمراء والدجاج والبيض ومشتقات الألبان ومئات المنتجات الزراعية غير مسموح بإدخالها، ويتم منع صيد السمك واستيراده.

يواجه السكان الموت يوميًا، دون دواء أو مياه نظيفة، ولا آلية للحصول على المساعدة. كبار السن، المرضى، الأمهات والأطفال الأكثر ضعفاً هم أول الضحايا. الأطفال الأصحاء هم الضحايا الأوائل لنقص الغذاء، إذ أن مناعتهم لم تتطور بعد، وكل مرض معوي أو عدوى يمكن أن يكون قاتلًا. الحديث عن الأرز والشاورما لا يعكس واقع التجويع للأطفال الذين يحتاجون إلى طعام خاص ومكملات للبقاء على قيد الحياة.

المجاعة في غزة هي نتيجة مباشرة للإجراءات الإسرائيلية، وقد ترتقي لجرائم حرب وفق تقييم الأمم المتحدة. الاحتلال الإسرائيلي ملزم دوليًا بتوفير الغذاء والحماية للسكان المدنيين، لكن الواقع يظهر عكس ذلك: الأسواق قد تبدو مليئة بالمواد الغذائية، إلا أن غالبية السكان محرومون فعلياً، والكارثة الإنسانية مستمرة في التصاعد.

غزة اليوم ليس مسرح فقط للتدمير والقتل بل ساحة لابادة جماعية غذائية ممنهجة، حيث يموت الضعفاء أولاً ويعيش الأقوياء على حساب حياتهم. تهديد الاحتلال الكامل للمدينة وتفكيك نظام الأمم المتحدة الإنساني يزيدان حجم الكارثة ويضعان السكان في قلب أزمة غير مسبوقة. الأطفال وكبار السن والمرضى هم الضحايا الحقيقيون، والعالم يشهد صمتاً لا يليق بحجم الكارثة.