في غزة لم يعد الأثاث مجرد تفاصيل بيتية تُزين الجدران وتمنح الغرف دفئا وتسهل تفاصيل الحياة اليومية بل تحول إلى آخر ما تبقى من وقود للحياة حين غاب الغاز وانعدمت الكهرباء وضاقت الجيوب عن شراء بدائل وجد الناس أنفسهم مضطرين أن يهدموا بيوتهم بأيديهم قبل أن تهدمها القذائف..
لم يَعُد الكرسي مكانًا للجلوس بل صار خشبة تكسر لتُلقى في النار. الطاولة التي جمعت العائلة يوما تحولت إلى حطب لطبخة تسد رمق الجوع. حتى الأبواب والخزائن لم تسلم من الفؤوس فكل ما هو خشب أصبح كنزًا ثمينًا في زمن العجز.
في غزة رأيت الأمهات يرمين بقطع أثاثهن في المواقد وأيديهن ترتجف كأنهن يلقين بأحلامهن وذكرياتهن القديمة قطعةً قطعه صار الدمار يصدر من داخل البيوت التي لم تهدمها القذائف هدمها الفقر والحرمان.
كأن الحصار أراد أن يجرّد الغزي من كل شيء حتى من حقه في أن يحافظ على بيته كما هو. أجبرونا أن نكسر بيوتنا بأيدينا. أن نحرق أثاثنا كي نعيش.
هناك النار لم تأكل الأخشاب وحدها بل التهمت معها آخر ما تبقى من كرامة المسكن فصار البيت شاهدًا على أصحابه وهم يحرقونه ليبقوا أحياء...
والله غالب ...