لماذا احتجَّ السفير هاكابي على إسرائيل؟!

توفيق أبو شومر
لماذا احتجَّ السفير هاكابي على إسرائيل؟!
انشغلت كثير من الصحف الإسرائيلية يوم 20-7-2025 برسالة الاحتجاج الموقعة من سفير أميركا في إسرائيل ومبعوث الرئيس، ترامب، متشل (مايك) هاكابي، أرسلها لكلٍ من نتنياهو، وإسحق هرتسوغ، رئيس الدولة وموشيه أربيل، وزير الداخلية، وإلى رون دريمر وزير الشؤون الاستراتيجية، وإلى أمير أوحانا رئيس الكنيست، مما جاء في رسالة الاحتجاج: «تُعرقل إسرائيل منح المسيحانيين الصهاينة الإنجليكان تأشيرات دخول لإسرائيل، وهذا سيدفع القنصلية الأميركية في إسرائيل لأن تُعامل الإسرائيليين بالكيفية نفسها، إن لم تتراجع إسرائيل عن ذلك»!
علق كثيرون على رسالة، هاكاتبي قالوا: إن هذا السفير قد تجاوز العرف الدبلوماسي المعهود، وهو يتدخل في الشؤون الداخلية الإسرائيلية!
السفير هاكابي هو قسيس من الطائفة المسيحانية الصهيونية، فهو خريج قسم اللاهوت من الجامعة المعمدانية 1978م، وهو أيضاً كان حاكماً لولاية أركنساس!
قال، هاكابي يوم الأول من حزيران 2025م معلقاً على ترحيب فرنسا بتأسيس دولة فلسطينية: «إذا كانت فرنسا ترغب في تأسيس دولة فلسطينية فعليها أن تؤسسها في الريفيرا الفرنسية»!
سأظل أتذكر السفير الأميركي السابق في عهد ترامب السابق، وهو ديفيد فردمان، كان، حاخاماً من طائفة كوهانيم اليهودية، كان يشاركهم في كل الصلوات، وهو قد أسهم في افتتاح نفق الحجاج في القدس، وهو من مؤسسي مستوطنة بيت إيل، وهو متبرع لإسرائيل في كل المجالات! وهو من مناصري الاتفاقيات الإبراهيمية، وهو المحرض الرئيس لنقل سفارة أميركا للقدس، وضم الجولان لإسرائيل، وهو أيضاً صاحب خطة ضم غور الأردن لإسرائيل، لإنهاء ملف الضفة الغربية، وترحيل الفلسطينيين إلى كندا!
وإذا كان خريج قسم الفيزياء، ديفيد فردمان وهو أيضاً المحامي الخاص لدونالد ترامب قد أرسى القواعد العامة السابقة وهي قواعد اغتصاب الأرض الفلسطينية، فقد حان دور القسيس الجديد هاكابي لإكمال الخطة المسيحانية، والتي تهدف لتمكين التيار المسيحاني الصهيوني من إرساء خطة تفريغ الأرض الفلسطينية، وتمكين إسرائيل من فرض سيطرتها الكاملة على المنطقة للوصول إلى معركة هرمجدون والخلاص التبشيري الأخير، وهذا كله لم يتحقق إلا بأن يسعى هذا السفير القسيس المسيحاني إلى ضم الضفة الغربية بأكملها!
هاكابي كان إعلامياً بارزاً في محطة فوكس نيوز، هو من أكبر الداعمين لإسرائيل، وهو من ألدِّ أعداء تأسيس الدولة الفلسطينية، فهو ينكر تسمية فلسطين والضفة الغربية، ومن أبرز تصريحاته الإعلامية: «لا وجود لمسمى فلسطين، ولا وجود لمسمى الضفة الغربية، هناك يهودا والسامرة فقط»!
وقد بدأت الخطة بالفعل في بداية عهد هذا السفير الجديد في الخليل ومخيم جنين وطولكرم ونور شمس، وكل أماكن تواجد اللاجئين الفلسطينيين، وهي بالمناسبة خطة مُدَّخرة في أرشيفات إسرائيل!
كنت قد أسميت هذه الخطة (الحل النهائي للقضية الفلسطينية) هذا الحل النهائي، ليس فيه مجال للتفاوض على أساس حل الدولتين، بل يقوم اليوم على أساس فرض الأمر الاستيطاني الواقع، وفرض هذا الحل ليس على الفلسطينيين فقط، بل وعلى كل دول العالم! فلم تعد قضية الاستيطان قضية تكتيكية تفاوضية، بل غدتْ اليوم قضية غير مطروحة للنقاش عند الحكومة الإسرائيلية الحالية.
منذ تسع سنوات جرى تسريب بنود قانون إسرائيلي يوم 18/7/2016 كان هذا القانون المرحلة الأخيرة لتنفيذ الحل الاستيطاني النهائي، والذي ينصُّ على دمج الكتل الاستيطانية العديدة، (القانونية) والعشوائية في القانون الإسرائيلي، بغض النظر عن موقع المستوطنات الجغرافي أو كونها قانونية من وجهة نظرهم!
إن مشروع القانون السالف طُبق على مستوطنة معاليه أدوميم المغتصبة من أراضي المدن والقرى الفلسطينية، هذه المستوطنة هي الطريق الوحيد بين شمال الضفة وجنوبها، وهي تلغي منطقة (إي 1) وتحول دون تأسيس دولة فلسطين.
أما مستوطنات، غوش عتصيون، فيجري توسيعها والاستيلاء على أراضي الفلسطينيين الخاصة بحصار الخليل الدائم، بادعاء أنها مركز (الإرهاب) الفلسطيني، وتوسيع مستوطنة، كريات أربع اليمينية، فقد أصدر المحتلون قراراً يُلغي صلاحية بلدية الخليل في الإشراف على الحرم الإبراهيمي في شهر تموز الجاري، ويُلحق الحرم الإبراهيمي بالمجلس الديني في كريات أربع، على الرغم من أن الحرم الإبراهيمي مسجل في اليونسكو تراثاً فلسطينياً خالصاً!
كما جرى توسيع مستوطنة يتسهار في نابلس، بسبب قتل عائلة فوغل في العام 2011، وقتل فتاة في مستوطنة كريات أربع!
ظلَّ رؤساء الحكومات الإسرائيليون يتنافسون على إنجاح الحلّ النهائي في القدس، واغتصابها بالكامل ومنع تأسيس دولة فلسطينية، ففي عام 2000 أعلن إيهود باراك عن خطة لضم مستوطنة معاليه أدوميم، وغفعات زئيف للقدس، أرجأت الحكومة الإسرائيلية المشروع، ليس خوفاً من رد الفعل الفلسطيني بقدر ما كانت تخشى احتجاج أميركا وأوروبا، أما شارون فقد نفَّذ توسيع معاليه أدوميم، بالضم واغتصاب الأرض، أما اليوم فلم تعد هناك محاذير تمنع إسرائيل من عملية الضم!
سيظلُّ ملفُ الاستيطان ملفَ التنافس الرئيس في أوساط السياسيين الإسرائيليين، فهم يتنافسون على توسيع وضم ومصادرة الأراضي الفلسطينية، أما صراعهم على ملفات تجنيد الحارديم في الجيش، وعلى الشؤون القضائية، والموازنات المالية، فهي صراعات ثانوية.
تذكروا بأن أحزاب إسرائيل كلها كانت تتنافس على مشاريع الاستيطان، حتى أن التيار الديني الصهيوني المتمثل في حزب المفدال برئاسة الحاخام الأكبر، تسفي يهودا كوك كان يصوت حتى السبعينيات من القرن الماضي انتخابياً لليسار الإسرائيلي، المفدال هو في حقيقته مشروع استيطاني إسرائيلي كبير، لأنه عندما انسحب من حكومة اليسار عام 1977 فكك اليسار وانضم إلى حزب الليكود، ولكنه أسس أكبر منظومة استيطانية في إسرائيل وهي حزب غوش إيمونيم (كتلة الإيمان)! وأسس فروعاً استيطانية لهذه الكتلة أبرزها، كتلة يمينا، وكتلة يشع الاستيطانية الكبرى!
أخيراً، تذكروا أن الاستيطان في فلسطين جزء من الإيمان والعقيدة الدينية اليهودية لأحزاب الصهيونية الدينية والحارديم، فقد أفتى كبار الحاخامين المؤثرين بأن إقامة فرائض الدين اليهودي لا تجوز في المنافي والمهاجر، ولن تُقبل إلا إذا أُقيمت في أرض الميعاد!