إعلان نيويورك..مأزق دولة الكيان وحماس التاريخي

حسن عصفور
إعلان نيويورك..مأزق دولة الكيان وحماس التاريخي
خلال أيام معدودة انقلب المشهد العالمي من حال إلى حال، بعدما بات الخبر المركزي مرتبط بمطاردة دولة الكيان، ليس بالبعد الإنساني المرتبط بجرائم حرب وإبادة وتجويع فقط، بل بموقف سياسي مرتبط بالاعتراف بدولة فلسطين، ووضع دولة الكيان والولايات المتحدة في ركن اتهامي غير مسبوق، خاصة من قبل الدول الأوروبية وعدد من حلفاء واشنطن التقليدين.
الانعطافة العالمية من معاجلة بعد إنساني في القضية الفلسطينية إلى تصويب المعادلة المشوهة بحثا عن اعتراف بالحقيقة الغائبة، يمكن اعتباره تحول جذري، أي كانت نتائجه اللاحقة، لكنها سابقة عززت الطريق السياسي الوطني في مواجهة مخطط دولة الكيان الاحلالي، وهزيمة كل ما حاولت استخدامه بعد مؤامرة 7 أكتوبر 2023، لخطف "فلسطين" تحت نقاب حماس.
جاء إعلان نيويورك، ليضع المسار السياسي للحل الممكن في سياق "دولة مقابل دولة"، ضمن حدود الشرعية الدولية انطلاقا من قرار 19/67 لعام 2012، حدودا وقاعدة تقاسم أرض فلسطين التاريخية، بعيدا عن "العواطف السياسية الخاصة"، وهو ما يمثل حصارا للمشروع التهويدي والرؤية التلمودية حول اعتبار دولة فلسطين "خطر وجودي" على الكيان الاحتلالي، لتسقط الأكذوبة قبل ان تجد لها تأييدأ خلافا لما كان في فترات سابقة.
إعلان نيويورك، وضع دولة الكيان أمام أزمة قادمة، بأنها المرة الأولى التي تقوم دول "حليفة" لها بربط أمنها بأمن الشعب الفلسطيني وإقامة دولته الوطنية، وذلك كسب استراتيجي في المواجهة بين رواية ورواية، وإن تاخر التنفيذ فلن يلغ مضمون التغيير.
دولة الكيان الاحلالي وجدت ذاتها في "مأزق" غير محسوب بعد مسلسل "الانتصارات" التي أعلنها رئيس حكومة الفاشية اليهودية نتنياهو، منذ أكتوبر والتي وصفها بالجبهات السبع، خاصة ضد محور بلاد فارس وتدمير قطاع غزة وفرض مشهد تغيير مستقبله، وإزالة المخيم رمزا لقضية، بالتوازي مع حربه الخاصة ضد وكالة الأونروا، ارتباطا بقضة اللاجئين، التي تعتبر "عقدة خاصة" ترتبط بأصل المعركة الكبرى منذ عام 1948.
إعلان نيويورك، بما ورد به، لم يكتف بحصار دولة الاحلال، لكنه وضع حركة حماس بفعلها يوم 7 أكتوبر موازيا لحرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني التي تقوم بها دولة الاحتلال، وبأنها أعمال إرهابية، وهي سابقة لم ترد يوما بعدما وقعت دول عربية ومعها تركيا مستضيفة قيادة الحركة، موقف يفتح الباب لاحقا لاعتبارها حركة إرهابية تعزيزا للمطالبة الدولية، وسينعكس ذلك على الواقع العربي.
إعلان نيويورك، وضع بند سلاح حماس عنوانا من العناوين الشرطية، وهي تعلم تماما أن ذلك لن يكون في قطاع غزة، بل حيثما وجدت، سيكون ذلك مطلبا، الأمر الذي سيجردها من "سلاح الخديعة" الذي استخدمته طوال سنوات لتمرير مخطط الانفصالية – الانقسامية، ثم تتويجا بما كان يوم 7 أكتوبر.
إعلان نيويورك حول حركة حماس، واتهامها بارتاكاب أعمال إرهابية، سيعيد فتح النقاش في الجنائية الدولية، التي اعتبرت بعض قادتها مطلوبين بالتوازي مع نتنياهو وغالانت وغيرهم من دولة الكيان وجيشها، واعتقاد البعض ان اغتيالهم سيغلق الملف، فهو ساذج، بعدما أكد الإعلان أنها كحركة ارتكتب جرائم، ما سيضع قادتها وكل من شارك معها ومنها في 7 أكتوبر مطلوبا، كما يحدث مع عناصر جيش الاحتلال.
إعلان نيوريوك، وضع حركة حماس أمام مأزق تاريخي، ليس بفقدان الحكم في قطاع غزة، بل في فقدان شرعية استخدمتها لأهدافها الخاصة، ومنحتها امتيازات ليس مالية فقط بل مكانية وترويجية، ما قد يفتح الباب لتمزقها الداخلي ويشعل صراعا كان خافيا بين أجنحتها، كما حدث مع جماعتها الأم الإخوانجية.
حماس بعد إعلان نيويورك، لن تكون حماس كما قبله، ستبقى محاصرة بين تواجد قيادتها قرب قاعدة العديد الأمريكية في قطر بحماية المخابرات المركزية، وبين تركيا تحت حماية قوات حلف الناتو إلى حين غروبها الكبير..مشهد فريد لا يتكرر في التاريخ.