قمة شرم الشيخ: بين تثبيت وقف النار وتثبيت النفوذ... من يكتب مستقبل غزة؟

قمة شرم الشيخ: بين تثبيت وقف النار وتثبيت النفوذ... من يكتب مستقبل غزة؟
الكوفية أولًا: شرم الشيخ على مفترق النار والسياسة
حين تعلن الرئاسة المصرية عن قمة دولية في شرم الشيخ برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وبمشاركة أكثر من عشرين زعيمًا من الشرق والغرب، فهذا يعني أن القضية الفلسطينية لم تعد شأنًا إقليميًا فحسب، بل تحوّلت إلى اختبار للنظام الدولي برمّته.
القمة ليست مجرد احتفال لتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، بل هي في جوهرها تدشين لمرحلة جديدة من إدارة الصراع لا حله.
فما يجري في شرم الشيخ ليس نهاية الحرب، بل بداية إعادة ترتيب المنطقة على ضوء نتائجها.
ثانيًا: بين السيسي وترامب... توافق الضرورة لا التحالف
تأتي القمة في ظل تحوّل مصري متوازن بين الحفاظ على دور الوسيط الإقليمي الحصري في الملف الفلسطيني، وبين السعي لتثبيت شرعية مصر كـ"الضامن الموثوق" في المعادلة الأمنية والسياسية لقطاع غزة.
أما الرئيس ترامب، فيرى في القمة فرصة لفرض نموذج أمريكي للحل يقوم على وقف النار مقابل إعادة إعمار مشروطة، أي سلام اقتصادي بلا أفق سياسي، وهو النهج ذاته الذي فشل في التسعينيات لكنه اليوم يُعاد تلميعه بأدوات جديدة.
القمة بهذا الشكل تُظهِر توافقًا تكتيكيًا بين القاهرة وواشنطن:
مصر تريد الاستقرار على حدودها وضبط معبر رفح.
والولايات المتحدة تسعى لتسويق نجاح دبلوماسي يعيدها إلى واجهة المنطقة بعد فشلها في ردع التمدد الإيراني أو ضبط إسرائيل.
ثالثًا: دلالات التوقيت والمكان
لم يكن اختيار شرم الشيخ مصادفة. فالمدينة التي احتضنت قمم الحرب والسلام منذ 1996، تُعيد اليوم تقديم نفسها كـ"عاصمة التسويات المؤقتة".
التوقيت بالغ الحساسية:
حرب غزة دخلت مرحلة الإنهاك المتبادل،
والضغوط الدولية على إسرائيل بلغت ذروتها،
فيما تتزايد التحذيرات من انهيار إنساني شامل.
ومن هنا جاء التحرك المصري ـ الأمريكي المشترك كـ"مخرج من المأزق"، لكن أيضًا كفرصة لإعادة ترتيب المشهد الفلسطيني بما يخدم توازنات جديدة على حساب القضية ذاتها.
رابعًا: من يوقّع باسم فلسطين؟
السؤال الجوهري في قمة شرم الشيخ: من سيمثّل الفلسطينيين على طاولة التوقيع؟
فبينما تمسّكت القاهرة والدوحة بأن "لا حلّ بدون حماس"، تصرّ بعض القوى على إشراك السلطة الفلسطينية لضمان الغطاء السياسي والقانوني للاتفاق.
السيناريوهات المتوقعة:
1. توقيع فني من ممثلي حماس عبر وسطاء مصريين أو قطريين دون حضور رسمي مباشر.
2. مشاركة رمزية من السلطة الفلسطينية – ربما بتوقيع وزير أو مسؤول من منظمة التحرير لإضفاء الشرعية.
3. تأجيل الحسم الفلسطيني الداخلي لحين تشكيل حكومة تكنوقراط أو "إدارة انتقالية لغزة" بإشراف مصري أممي.
في كل الأحوال، فإن جوهر القمة سيكرّس ازدواجية التمثيل الفلسطيني ما لم يُبادر الفلسطينيون إلى توحيد موقفهم قبل أن يُفرض عليهم شكل جديد من الوصاية.
خامسًا: بين المساعدات والوصاية الدولية
القمة ستفرز – وفق المعلومات المتداولة – حزمة قرارات تنفيذية تشمل:
فتح المعابر تحت رقابة دولية – مصرية مشتركة.
بدء برنامج عاجل لإعادة الإعمار بإشراف البنك الدولي والأمم المتحدة.
إنشاء آلية مراقبة دولية لضمان تنفيذ وقف النار.
لكن خلف هذه البنود يتخفى مشروع إعادة هيكلة الإدارة في غزة، حيث يجري التداول حول إدخال "بعثة مراقبة مدنية دولية" أو "قوة عربية مختلطة" تتولى مهام الأمن والإشراف المالي، في خطوة قد تمهّد لمرحلة انتقالية تُبعد كلًّا من حماس والسلطة معًا عن القرار الفعلي.
سادسًا: ما الذي ينتظر غزة؟
بالمنظور الإنساني، يُتوقع أن تبدأ المساعدات بالتدفق فور توقيع الاتفاق، وأن تُفتح المعابر بشكل أوسع، وأن تُفرج إسرائيل عن بعض الأسرى في إطار صفقة تبادل جزئية.
لكن الملف الأخطر هو من سيحكم غزة بعد الحرب؟
فإن أُبعدت حماس من الإدارة الميدانية دون بديل فلسطيني شرعي، ستتحول غزة إلى منطقة وصاية دولية مُعلّقة تُدار بقرارات المانحين، وتفقد بذلك جوهرها السياسي كمركز للمقاومة.
أما إذا تمكن الفلسطينيون من توحيد مؤسساتهم على قاعدة الشراكة، فقد تتحول القمة إلى مدخل لإحياء المسار الوطني على أساس إعادة بناء منظمة التحرير والمصالحة الداخلية.
سابعًا: تداعيات القمة على الإقليم
1. مصر ستعزّز دورها الإقليمي كقائد للمسار التفاوضي ومركز الثقل العربي.
2. إسرائيل ستحاول استثمار الاتفاق لإعادة تأهيل صورتها أمام المجتمع الدولي، مع الاستمرار في فرض وقائع ميدانية في الضفة.
3. الولايات المتحدة ستقدّم القمة كـ"نصر دبلوماسي"، لكنها ستواجه لاحقًا اختبار التنفيذ على الأرض.
4. إيران وتركيا ستراقبان المشهد كمستثنَيتين من ترتيبات "اليوم التالي"، وقد تعيدان توجيه أدواتهما الميدانية للضغط عبر الساحة اللبنانية أو السورية.
5. السلطة الفلسطينية أمام لحظة تاريخية: إما أن تكون طرفًا فاعلًا في تحديد شكل غزة الجديدة، أو تُقصى تدريجيًا عن ملفات الحل النهائي.
ثامنًا: بين وقف الحرب وتجميد القضية
التحليل الأعمق يشير إلى أن قمة شرم الشيخ قد توقف الحرب فعلاً لكنها لا تنهيها سياسيًا.
فوقف النار إذا لم يُقترن بجدول زمني لإنهاء الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية، سيتحول إلى هدنة طويلة الأمد تُعيد إنتاج "الاستقرار الزائف" الذي يخدم إسرائيل والولايات المتحدة، بينما يجمّد القضية الفلسطينية في دائرة الإعمار والمساعدات.
إن أخطر ما يمكن أن ينتج عن القمة هو تحويل الحق الوطني الفلسطيني إلى مشروع إنساني، تُدار أولوياته في غرف التمويل لا في ساحات النضال.
تاسعًا: الخلاصة والتوصيات
على القيادة الفلسطينية أن توحّد موقفها قبل توقيع أي اتفاق حتى لا يُفرض تمثيلٌ ناقص في قمة بحجم شرم الشيخ.
على العرب أن يدركوا أن الإعمار بلا سيادة هو تثبيت للواقع لا تغييره.
وعلى المجتمع الدولي أن يتعامل مع غزة كأرض محتلة لا كمنطقة منكوبة، لأن جوهر القضية هو الاحتلال لا الإغاثة.
هوامش ومراجع
1. تصريحات المتحدث باسم الرئاسة المصرية حول القمة، وكالة أنباء الشرق الأوسط – 10 تشرين الأول 2025.
2. بيان وزارة الخارجية الأمريكية حول دعم وقف إطلاق النار في غزة – واشنطن، 9 تشرين الأول 2025.
3. تقارير مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS)، "اليوم التالي في غزة"، أيلول 2025.
4. تقرير البنك الدولي حول "الاحتياجات العاجلة لإعادة إعمار غزة"، آب 2025.
5. قرارات مجلس الأمن رقم 242 و338 و2334 كأساس لأي حل دائم للصراع.
6. تقارير الأمم المتحدة (OCHA) حول الوضع الإنساني في غزة، تموز – أيلول 2025.
إعداد: المحامي علي أبو حبلة – رئيس تحرير صحيفة صوت العروبة