نشر بتاريخ: 2022/06/10 ( آخر تحديث: 2022/06/10 الساعة: 05:55 )
نبيل عمرو

ما نحن بحاجة إليه..‏ الجزء الثاني

نشر بتاريخ: 2022/06/10 (آخر تحديث: 2022/06/10 الساعة: 05:55)

القلق الذي ينتشر ويستبد ‏بالنفوس هو الذي لا يمحوه ‏الكلام، ولا تخفف منه ‏التصريحات والبيانات، ‏يفرض على كل صاحب قلم ‏ورأي ان يقدم إجابة مقنعة ‏عن كومة من الأسئلة المثارة ‏على مستوى المجتمع كله، ‏حول الحالة الفلسطينية كلها، ‏وهي حالة كما يعرف ‏الجميع غير محصورة في ‏مكان أو محكومة لسلطة أو ‏تنظيم، ذلك أن أقدار هذا ‏الشعب جعلته موزعا بما ‏يقارب أن يكون مناصفة بين ‏من هم على أرض الوطن، ‏ومن هم في المنافي القريبة ‏والبعيدة، وهؤلاء "النصفين" ‏يتحدون في هوية عميقة لا ‏تنفصم هي الفلسطينية. ‏

قاعدة الارتكاز المصيري – ‏وهذا لحسن تصاريف القدر-‏موجودة بقوة على أرض ‏الوطن، وإذا ما قرأناها ‏بموضوعية وتجرد واقع هذه ‏القاعدة وفاعلية تأثيرها على ‏كل فلسطيني أينما وجد، نجد ‏أنها بحاجة إلى أمور كثيرة ‏لتُنجَز كي يواصل ‏الفلسطينيون سعيهم الصعب ‏نحو حلمهم الشعبي الواحد ‏الحرية والاستقلال. ‏

لم يعد الزمن يتطلب زعيما ‏يقود شعبا برمزيته ‏ومركزيته وما يوصف ‏بكارزميته، كان ذلك جائزًا ‏بإيجابه وسلبه في زمن ‏مضى. تداولت فيه على ‏التاريخ أسماء فعلت فعلها في ‏الحياة الفلسطينية منذ نشوء ‏القضية. الحاج أمين ‏الحسيني صاحب العمامة ‏الدينية والمكانة الاجتماعية، ‏والأستاذ أحمد الشقيري ‏الحقوقي والديبلوماسي ‏والخطيب المفوه، ثم ياسر ‏عرفات الذي لا تكفي ‏المعاجم والمكتبات بوصف ‏ما تمتع به طيلة حياته على ‏رأس الحالة الفلسطينية التي ‏ظلت توصف بالثورة، ثم ‏محمود عباس رئيس الحالة ‏التي توصف بالسلطة. ‏

من هو الشخص الذي يلي ‏هؤلاء؟ وماذا يمكن أن ‏نسميه أو نسمي حالته؟ ‏الأفضل لنا كفلسطينيين بل ‏والمنطقي أكثر أن نستبعد ‏هذا السؤال ونستبدله بسؤال ‏آخر أكثر واقعية ومنطقية. ‏

بعد سلسلة الأسماء التي ‏حققت حضورًا قويًا في ‏حينها دون أن تحقق الحل ‏المنشود لأعقد قضية في ‏التاريخ، ماذا نحتاج أو ماذا ‏يحتاج الوضع الراهن الذي ‏آلت إليه الحالة الفلسطينية ‏ولا يخفى على أشد المتفائلين ‏كم هي صعبة بل وكارثية. ‏

هل نحن بحاجة إلى شخص ‏ينقذ الحالة بتحقيق حلول ‏لكومة المشاكل الكبرى التي ‏استفحلت في الحياة ‏الفلسطينية وسحبت آثارًا ‏مخيفة على القضية ومكانتها ‏وفرص حلها بما يرضي ‏شعبها، وهل هذا الشخص ‏على ما أعرف ويعرف ‏الفلسطينيون جميعًا لم يعد ‏موجودًا بل ولم يولد بعد، ‏وفي زمننا المسمى بالحديث ‏لن يولد على الاغلب أو ‏باليقين. ‏

وبقدر ما تبدو الحكاية غاية ‏في التعقيد والواقع غاية في ‏الاستعصاء ويبدو الحل الذي ‏نرجو لم يبتعد فحسب بل ‏انتهى، ولكي لا نقع في ‏محذور اليأس والتيئيس لنقل ‏حتى إشعار آخر، فإننا ‏بحاجة إلى معرفة ما ينبغي ‏علينا أن نفعل وليس ما ‏يتعين علينا أن ننتظر.‏

علينا أولًا أن نسلم بحقيقة ‏منطقية وعادلة وهي أننا لم ‏نعد بحاجة إلى زعيم لأن ‏الأصح والأكثر صدقية ‏وواقعية أننا بحاجة إلى نظام ‏سياسي، ينتج مؤسسات ‏قيادية مؤهلة، وهي بدورها ‏تنتج رئيسًا خاضعًا لقيود ‏دستورية تحول بينه وبين ‏التفرد بالقرار على أي ‏مستوى من المستويات، ‏وذلك يتطلب أن يُنتج النظام ‏السياسي من المفاعل الوحيد ‏الذي يمنح الشرعية الحقيقية ‏وهو الشعب، ولذلك وسيلة ‏واحدة لم تخترع البشرية ‏بديلًا عنها وهي الانتخابات، ‏شريطة أن لا تكون كما هي ‏الآن عندنا انتقائية يتحدد ‏إجرائها من عدمه وفق ‏حسابات الأجندات، فتجري ‏بيسر وسهولة في قطاع ‏معين وتحجب عن قطاع ‏آخر، فالبلديات وبعض ‏النقابات ممكنة وفي متناول ‏اليد ولا عائق لها، أما ‏الرئاسية والعامة فهي ‏مستحيلة!.‏

إن النظام الحقيقي الشرعي ‏والفعال هو أن ينتجه ‏صندوق الاقتراع، فهو ‏الوسيلة الشعبية الوحيدة التي ‏تمنح الشرعية لأصغر ‏جمعية خيرية في أصغر ‏قرية إلى البرلمانية ‏والرئاسية، وفي حال الذهاب ‏إلى خيارات مختلف عليها ‏فهنالك الاستفتاء الذي أن ‏مرر قرارًا أو منعه، فالناس ‏هم المسؤولون عن نعمهم أو لائهم.‏

هذا البديهي الذي اتحدث عنه ‏يبدو مستحيلًا إذا وجد ‏نافذون يعترضونه ويمنعونه ‏تحت ذرائع شتى، أما إذا ‏وجدت الإرادة وقد وجدت ‏كثيرًا في حياة هذا الشعب، ‏فهو أسهل الممكن والأكثر ‏جاهزية لأن يتحقق، ألم ‏نصل قبل سنة إلى مقربة من ‏صناديق الاقتراع ثم أحجمنا ‏عنها قبل أيام؟؟؟

ليتوقف الفلسطينيون ومطابخ ‏الأجندات الداخلية والخارجية ‏منها عن الحديث عن زعامة ‏فلسطينية قوامها أشخاص، ‏ولينصرف الحديث والجهد ‏نحو صيغة نظام محترم ‏يوفر للفلسطينيين وضعا يليق ‏بمؤهلاتهم وقوة حضورهم ‏وعدالة حقوقهم وغزارة ‏إبداعهم حيثما ارتحلوا أو ‏حلّو، وهذا وإن كان حاجة ‏ومصلحة فلسطينية ملحة، ‏فهو حاجة ومصلحة وضمانة ‏لاستقرار منطقة وحياة ، قدر ‏ما هي القضية الفلسطينية ‏مفاعلًا نشطًا للأحداث، ‏واسألوا إسرائيل وأمريكا ‏والعالم عن ما حدث في ‏رمضان وأيار هذا العام الذي ‏كان يعرف بعام أوكرانيا وما ‏حولها.‏