نشر بتاريخ: 2025/07/18 ( آخر تحديث: 2025/07/18 الساعة: 09:46 )
أكرم عطا الله

الزمن الإسرائيلي الأصفر ...!

نشر بتاريخ: 2025/07/18 (آخر تحديث: 2025/07/18 الساعة: 09:46)

رمزية قصف إسرائيل لقصر الرئيس السوري مهينة لكل العرب، حيث تذكرهم بحالهم المثير للشفقة.

وهي الإهانة التي ربما جعلت الرئيس السوري يندم على نجاحه في إسقاط سلفه، فالمجاهد الذي لم يكف عن الجهاد ضد من سماهم أعداء الأمة لعقدين ماضيين يجد نفسه ينكمش أمام عربدة الإسرائيلي، وخصوصاً أنه لم يكن متواضعاً في اتهام الزعماء العرب بالخنوع وعدم محاربة إسرائيل حين كان اسمه الجولاني قبل أن يخلعه.

تعربد إسرائيل في المنطقة وتتصرف كدولة كبرى منتشية بضرب العرب يومياً، ليعلق أحد الصحافيين على التدخل الإسرائيلي في السويداء بأن تل أبيب في حمايتها للأقليات تعلن عن نفسها كقوة عظمى.

ولسوء حظ القوى الإسلامية فقد شاء قدر التاريخ أن تكون هي من يتلقى ضرباتها وتتعرض للإهانة بشكل يومي، حركة حماس في فلسطين وحزب الله في لبنان الذي فقد قوة الردع ولم يعد يستطيع الرد على الاعتداءات والاغتيالات وجبهة النصرة أو هيئة تحرير الشام في سورية.

إسرائيل تقتل وتضرب وتقضم أراضي من غزة وسورية ولبنان وهذا يفعل فعله في إطار صعود وأفول أفكار وأيديولوجيات وحواملها الاجتماعية والسياسية التي استدعتها المنطقة بعد الإذلال الذي تعرضت له بهزيمة العراق وإعدام رئيسه شنقاً صبيحة عيد الأضحى.

من الذي يسلح إسرائيل ويعطيها هذا القدر من الثقة والقوة لفعل كل هذا ؟

تلك معروفة إلا لمن لا يقرؤون التاريخ ويمارسون صراعات السياسة بتبسيط المبتدئين.

فهي امتداد طبيعي لمخازن الأسلحة في العالم، أما من وفر لها هذا المبرر على طبق من الجهل ؟ تلك الرواية التي لا تقل أهمية وسيكتبها التاريخ، كتب صديقي قبل الحرب بشهر واحد معلقاً على طريق بايدن الذي أعلنه الرئيس الأميركي آنذاك في أيلول 2023 الذي يربط الهند بالشرق الأوسط أن هناك حرباً قادمة لتحطيم حماس وحزب الله كضرورة لتأمين هذا الطريق.

لكن مراكز دراسات الأمن القومي كانت تشير مبكراً لأحداث أخرى فقد تم تصوير خروج إسرائيل من غزة العام 2005 كهزيمة لها، تلا ذلك بعدها بعام هزيمة أصعب لقواتها مع حزب الله لتكتمل الصورة، لكن مراكز الدراسات في إسرائيل كانت تضع توصياتها العام 2007 بضرورة شن حربين ساحقتين على حماس والحزب لاستعادة قوة الردع وهيبة الأمن وصورة الدولة المهيمنة التي لم تعد في سنواتها الأخيرة قادرة على إزاحة خيمة ينصبها حزب الله على الحدود.

إنه الزمن الإسرائيلي المغبَرّ بكل العربدة التي لا تتوقف منذ السابع من أكتوبر. وهو يعيد رسم خطوط المنطقة بطولها وعرضها وحدودها كما كان يحلم بتسيّدها، وزاد هذا بعد الاستعراض الذي مارسه على إيران مدججاً بالقوة الأميركية الكاسحة دائمة التحفز لسحق من يعترض على إسرائيل وسلوكها وجرائمها وغطرستها واحتلالها للأراضي العربية، هو الزمن الذي يتبجح فيه من كان قبل عامين فقط يجمع ويطرح ويحسب ألف حساب لزيادة قوة الخصوم وتآكل قوة الردع الإسرائيلية ليعود أكثر عربدة كيف ولماذا ؟

تلك حسبة التاريخ الذي لا يرحم مغفلي السياسة الذين يذهبون للحد الأقصى من معادلاتها دون حساب فينتحرون.

إهانات يومية في غزة وفي لبنان وفي سورية التي جاء رئيسها محرِّراً وإذ به يصبح أسيراً يجد بلاده أكثر ضعفاً تتقاسمها إرادات أكبر منها بكثير، ويعبث بها كثير من تلك الإرادات الكبرى التي تتكئ على هشاشة مجتمعات عادت للانكماش نحو طائفيتها في خريفها الأخير، فتهشمت الأوطان وتقسمت داخلياً وانتهت مصداتها وتآكلت مناعتها لتصبح جاهزة للعبث الخارجي والمال الخارجي والقوة الخارجية.

والأهم أننا في المنطقة العربية فشلنا في بناء دولة الإنسان بصرف النظر عن لونه ودينه وعرقه وطائفته، وما زالت لدينا الأحكام البدائية على البشر.

الدولة الوطنية وحدها هي أساس حصانة المجتمعات التي لن تستوي إلا بالحكم المتحرر من القوالب المسبقة. فالحكم الديني يقسم الناس على أسس دينية، سني وشيعي ومسيحي وعلوي ودرزي، ولذا من الصعب أن يدير دولة دون تصنيف يتنافى مع شروط استقرارها وتطورها بل وصفة للشقاق الدائم مهما حاول النظام الديني، لكن في أعماق التربية شيء لا يمكّنه من ذلك.

وتلك واحدة من نقاط الضعف التي تسمح بالتدخلات الخارجية، ومن يرجع لكتاب نتنياهو القديم «مكان بين الأمم» يجد أنه يفرد فصلاً كاملاً للحديث عن أن اليهود أقلية في المنطقة العربية وأن مستقبلهم مع الأقليات في المنطقة كالمسيحيين والدروز وغيرهم، هكذا بكل صراحة ورغم وصول ابن رجل كيني لرئاسة أميركا، وابن رجل هندي لرئاسة الحكومة البريطانية إلا أننا في المنطقة العربية ما زلنا في مرحلة تصنيف أبناء الشعب في العصور الوسطى ونتحدث عن دولة منيعة .... هذا مستحيل.

منذ سقوط الرئيس السوري السابق وضع مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي عدة سيناريوهات لسورية، تتوزع بين التعايش «تعايش الذئب مع الحمل» والاضطراب والتقسيم، ليخلص إلى أن سورية مقسمة هي الأفضل لإسرائيل، ولا يحتاج الأمر لكثير من التفسير كيف اشتعلت الأزمة مع الدروز لتنتهي بما يشي بانتهاء سيطرة الدولة السورية بقرار إسرائيلي عن منطقة هي واحدة من المناطق التي بحاجة للاقتطاع.

هل هذه مصادفة ؟ لا شيء مصادف في الزمن الإسرائيلي.