تناقض التصريحات الإسرائيلية… ما الذي يريده نتنياهو من حرب غزة؟

د. عماد عمر
تناقض التصريحات الإسرائيلية… ما الذي يريده نتنياهو من حرب غزة؟
الكوفية في ظل اتساع رقعة التوتر واستمرار العمليات العسكرية في قطاع غزة، بات من الصعب تحديد الوجهة الحقيقية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في هذه الحرب، خاصة مع التضارب الكبير في التصريحات الصادرة عن مكتبه تارة، وعن “مصادر مقربة” منه تارة أخرى. هذا التضارب ينعكس بوضوح على المشهد السياسي والعسكري في إسرائيل، ويعزز الشعور العام بحالة من التخبط وعدم اليقين في صناعة القرار.
الليلة، يعقد المجلس الوزاري المصغر (الكابينت) اجتماعًا حاسمًا، لكن المؤشرات المتوفرة لا توحي بوجود قرار استراتيجي واضح، بل تكشف عن صراع داخلي بين الاستمرار في الحرب أو العودة إلى طاولة المفاوضات. ولعل أبرز التناقضات التي تُظهر حجم هذا التخبط يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
• التهديد بالاحتلال الكامل مقابل الانسحاب الجزئي: الحديث عن عملية عسكرية واسعة واحتلال كامل لقطاع غزة لا ينسجم مع الواقع الميداني، إذ أن الجيش الإسرائيلي قام مؤخرًا بسحب لواءين من داخل القطاع، ما ينفي نية التوسع ويعكس رغبة في تقليص الوجود الميداني.
• تذمر الجيش وانهاكه الميداني: ثمة تقارير متعددة تؤكد وجود حالة تعب وتذمر في صفوف الجيش الإسرائيلي، الذي بات يخوض حربًا مفتوحة بلا أهداف استراتيجية واضحة، ما يستنزف قدراته ويزيد من المخاطر على جنوده دون مكاسب حقيقية.
• مخاطر على حياة الأسرى: أي خطوة تجاه احتلال كامل للقطاع قد تعني إنهاء فرص استعادة الأسرى الإسرائيليين أحياء، ما سيشكّل ضربة قاسية لصورة الحكومة ويدفع ذوي الأسرى إلى تصعيد ضغطهم لإبرام صفقة تبادل فورية بدل المغامرة العسكرية غير محسوبة العواقب.
• أعباء ما بعد الاحتلال: احتلال القطاع ليس مجرد عملية عسكرية، بل يتطلب تحمل مسؤوليات إدارة حياة أكثر من مليوني فلسطيني في مجالات الصحة والتعليم والبنية التحتية، ما قد يستدعي إعلان الحكم العسكري، وهو ما تتحاشاه إسرائيل خشية التورط الطويل والتكلفة الباهظة.
• تداعيات دولية متصاعدة: تتعرض إسرائيل لضغوط دولية غير مسبوقة، وصلت حد التهديد من قبل دول كبرى كالمملكة المتحدة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية إذا لم تتخذ الحكومة الإسرائيلية خطوات عملية تجاه التهدئة ووقف العدوان، وهو ما يضع نتنياهو في مأزق دبلوماسي خانق.
• ضغط عائلات الأسرى الإسرائيليين: تنامي غضب الشارع الإسرائيلي وأهالي الأسرى بات يشكل عبئًا على الحكومة، ويضغط باتجاه التخلي عن الخيارات العسكرية والعودة إلى طاولة المفاوضات، خاصة أن الاحتلال الكامل قد ينسف أي فرصة لاستعادتهم أحياء.
**السيناريو الأقرب: المفاوضات لا الحرب**
في ظل هذه المعطيات المعقدة، تبدو فرص تحرير الأسرى الإسرائيليين أحياء من خلال الخيار العسكري شبه معدومة، وهو ما سينعكس سلبًا على شعبية نتنياهو، رغم محاولاته كسب دعم اليمين المتطرف من خلال التهديد بالتصعيد والاحتلال. وقد تعزز موقفه لبعض الوقت بعد المواجهة الأخيرة مع إيران، إلا أن استمرار الحرب في غزة دون نتائج ملموسة سيعيد تأجيج السخط الشعبي ضده.
من هنا، يبدو أن السيناريو الأقرب إلى الواقع هو العودة إلى طاولة المفاوضات، خاصة في ظل ما تردد عن قرب تنفيذ أحد الشروط التي وضعتها حركة حماس لاستئناف التفاوض، والمتمثل في إدخال أكثر من 250 شاحنة مساعدات إنسانية إلى القطاع.
**الخلاصة:** إن التصريحات النارية التي تتحدث عن “احتلال كامل لغزة” ليست سوى أدوات ضغط وتضليل إعلامي، تهدف لإظهار نتنياهو أمام جمهوره وكأنه القائد الحازم الذي أجبر حماس على التفاوض تحت التهديد، لكن الواقع يقول إن إسرائيل اليوم ليست في موقع يمكّنها من فرض شروطها، بل تقف عند مفترق طرق خطير، بين خيار الحرب التي لا تمكنها من تحرير أسرىها أحياء، وخيار التفاوض الذي قد يُبقي ما تبقى من ماء وجه الحكومة أمام الداخل والخارج.
نتنياهو، الذي يجيد اللعب على التناقضات، يعلم جيدًا أن التهديد بالحرب قد يجلب مكاسب سياسية لحظية، لكن السلام وحده من يمكنه تأمين استقرار حقيقي لإسرائيل، مهما طال أمد المناورة.