نشر بتاريخ: 2025/08/06 ( آخر تحديث: 2025/08/06 الساعة: 12:02 )
أشرف العجرمي

الدولة الفلسطينية: الفرصة الأخيرة

نشر بتاريخ: 2025/08/06 (آخر تحديث: 2025/08/06 الساعة: 12:02)

بعد حوالى سنتين على حرب الإبادة الجماعية في غزة، وبعد صمت مخجل من المجتمع الدولي، خاصة من الدول الغربية، بدأ العالم يتحرك باتجاه وقف الحرب، وإيجاد حل دائم للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي الذي أضحى دموياً بشكل غير مسبوق. وربما كانت مشاهد المجازر المروّعة، التي تنقلها وسائل التواصل الاجتماعي، بما فيها مشاهد التجويع حتى الموت التي طغت على كل ما عداها كجريمة كبرى لا يستوعبها العقل البشري في القرن الحادي والعشرين، هي المحرك وراء تزايد الرغبة الدولية في رؤية نهاية لهذه المأساة. وهنا ينبغي التأكيد على دور المملكة العربية السعودية، خاصة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، المحوري على المستويَين الإقليمي والدولي، وكذلك الدور الفرنسي الذي اضطلع به الرئيس إيمانويل ماكرون في دفع عجلة حل الدولتين انطلاقاً من وقف الحرب على غزة. والذي سوف يتبدى بشكل واضح في الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين في الشهر القادم في الأمم المتحدة من قبل فرنسا وعشر دول أخرى مهمة في أوروبا وخارجها وربما تكون بريطانيا إحداها.

وهناك في الواقع شرطان ضروريان لتحقيق انطلاقة سياسية وفي الميدان للدفع بمشروع حل الدولتين، بناء على بيان مؤتمر حل الدولتين الذي عقد في الأمم المتحدة في 28 و29 من الشهر الماضي. وهما في الواقع شرطان يستجيبان للمصلحة الفلسطينية وليسا ضدها. الأول ما هو مطلوب من «حماس»: إنهاء ملف المحتجزين الإسرائيليين بصفقة تنهي الحرب وتفتح المجال أمام إعادة إعمار غزة، تحت إدارة فلسطينية، «حماس» ليست جزءاً منها، وكذلك تسليم «حماس» لسلاحها، بحيث لا تعود تنظيماً مسلحاً له مليشيا في غزة. والشرط الثاني إجراء إصلاح جدي حقيقي وعميق في مؤسسات السلطة يبدأ بانتخابات عامة برلمانية ورئاسية ليست بالضرورة متزامنة، ولكن في إطار جدول زمني مقبول دولياً.

بالنسبة لما هو مطلوب من «حماس»، فهو ضروري لحقن دماء الفلسطينيين ووقف هذه المجزرة التي ترتكبها إسرائيل ضده. فمن دون استجابة «حماس» لهذه الشروط لن تتوقف الحرب ولن يعاد بناء قطاع غزة، ولن يجري توحيد شقَّي الوطن والبدء في إقامة الدولة الفلسطينية، حتى لو كان الاعتراف بها كاملاً وشاملاً. وهناك فرصة لحركة «حماس» أن تجعل مرونتها واستجابتها للمطالب الدولية في إطار دفع عملية إقامة الدولة الفلسطينية، وليس استجابة للشروط الإسرائيلية. فإعلان «حماس» رداً على تصريحات ستيف ويتكوف المبعوث الأميركي، التي قال فيها: إن «حماس» وافقت على نزع سلاحها، يتحدث عن أن الحركة ستتنازل عن سلاحها في إطار إقامة دولة فلسطينية. ونحن الآن في عملية جادة بهذا الاتجاه وعلى جميع الأطراف المساهمة فيها. واستجابة «حماس» ستكون بلا شك مساهمة كبرى. وسيفهم الشعب الفلسطيني والعالم أن «حماس» تتنازل من أجل المصلحة العليا للشعب وليس من أجل أي ادعاء آخر حتى لو كانت إسرائيل ستعتبر ذلك انتصاراً لها. فتحقيق اختراق دولي حقيقي باتجاه إقامة دولة فلسطين سيكون هزيمة سياسية مُرّة لإسرائيل، خاصة للحكومة العنصرية الفاشية التي يقودها بنيامين نتنياهو.

أما إصلاح السلطة الوطنية فهو مطلب فلسطيني يجمع عليه الشعب قبل أن يكون شرطاً دولياً، ويجب أن يتم في إطار خيار وطني، وضمن أولويات إقامة مؤسسات الدولة الفلسطينية بما يشمل عملية انتخابات للمجلس التشريعي وانتخابات رئاسية، والفصل بين السلطات التسريعية والتنفيذية والقضائية، واستعادة ثقة الشعب أولاً بمؤسساته وثقة العالم بأهليتنا لدولة ديمقراطية تسير على طريق النمو والتقدم بما يستجيب لتطلعات شعبنا. والرسالة التي بعث بها الرئيس أبو مازن للرئيس ماكرون تشكل أرضية مناسبة للبدء في عملية الإصلاح، حيث تعهد بإجراء انتخابات عامة خلال عام. وفي الواقع، الإعلان عن انتخابات للمجلس الوطني حتى نهاية العام، لا مبرر له طالما لا يرتبط بانتخابات المجلس التشريعي، حيث إن عضوية الداخل جلها من أعضاء المجلس التشريعي المنتخبين.

هذان الشرطان لتحقيق انطلاقة في عملية حل الدولتين المدعوم دولياً، والذي ينتظر الإعلان في الشهر القادم، ليسا اختياريين، بل تقوم عليهما الدولة. فالأمر لا يتعلق بما هو مستحب، بل بما هو واجب يترتب عليه النجاح أو الفشل. إن فعلنا سنكون مضينا على طريق النجاح والنصر السياسي الحقيقي. وإن فشلنا فربما تكون هذه آخر فرصة لنا لتحقيق دولة. والعالم لن ينتظرنا بل سيقفز عن الموضوع ويتجاهله ويطويه النسيان، خاصة في ظل سياسة إسرائيلية متسارعة بجنون لشطب فكرة الدولة الفلسطينية وقطع الطريق على إقامتها وتحويلها إلى حل يستحيل تطبيقه. والوقت أمامنا ليس طويلاً. فإما أن ننتهز الفرصة أو تضيع. وسيحمّلنا التاريخ المسؤولية الجسيمة عن أي إضاعة لما يمكن أن يكون فرصتنا الأخيرة. فهل نحن على مستوى المسؤولية وقادرون على تحملها، أم سنتحدث عن كارثة كبرى في قادم الأيام؟