نشر بتاريخ: 2025/09/02 ( آخر تحديث: 2025/09/02 الساعة: 20:26 )
رجب أبو سرية

ترامب شريك نتنياهو في التهجير والضم

نشر بتاريخ: 2025/09/02 (آخر تحديث: 2025/09/02 الساعة: 20:26)

الكوفية رغم أن «حماس» قبلت تحت ضغط رعاة التفاوض، المصريين والقطريين، المقترح الأميركي ذا الأصل الإسرائيلي، قبل أسبوعين، والذي كان قد اقترحه المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، إلا أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، لم يرد رسميا على القبول الحمساوي، بل إن الرد الإسرائيلي كان باعتماد خطة مواصلة حرب الإبادة رغم الغضب والرفض الدولي، خاصة من دول الاتحاد الأوروبي، بل وفي دليل قاطع، على أن كل «لعبة التفاوض» على صفقة التبادل، لم تكن إلا ملهاة لإلهاء عائلات المحتجزين والمعارضة الإسرائيلية، وتخدير الرأي العالم الدولي، المنتفض غضبا على جريمة حرب الإبادة المتواصلة منذ عامين، دون أدنى احترام أو امتثال للقانون وللقضاء الدولي الذي جرم الحرب واصدر اكثر من قرار بوقفها.

ولم يثر الموقف الإسرائيلي الرسمي، متمثلا بنتنياهو وشركائه في الحكومة، خاصة وزراء اليمين المتطرف الاستغراب وحسب، بل أثار الاستغراب اكثر الموقف الأميركي، خاصة أن ربان البيت الأبيض الرئيس الشعبوي، الكاره لكل العالم، والذي على غير كل ارث الرؤساء الأميركيين، «بزنس» السياسة، بعد أن بدأ عهده بإطلاق حرب تجارية عالمية، يسعى وهذا أمر يثير الضحك، إلى نيل جائزة نوبل للسلام، بعد أن تملكت رأسه الفكرة، رغم انه شخصيا يستبعد حصوله عليها، وذلك بدافع الغيرة من باراك أوباما الرئيس الأسبق الذي يعتبر كابوسه، وواضح أن ترامب العنصري، لم يستوعب أن ينتخب الأميركيون رئيسا من غير البيض!

ما أثار الدهشة في الموقف الأميركي، هو أن لا ترامب ولا ويتكوف دافعا عن مقترحهما، الذي كان سيجد طريقه إلى التنفيذ، بما يوقف الحرب مدة شهرين على الأقل، بل اكثر من ذلك، اصطف ويتكوف إلى جانب نتنياهو، وحمل «حماس» مسؤولية عدم وقف الحرب، فيما ترك ترامب القرار لمجرم الحرب الإسرائيلي، والأدهى والأمر من كل ذلك، أن ترامب وقد باتت أميركا وحدها تؤازر إسرائيل في مواصلة حرب الإبادة بعد أن ثارت الدنيا كلها ضدها، وأصبحت منبوذة ومكروهة إلى حدود، لم يتعرض لها من قبل سوى نظام الفصل العنصري الذي كان في جنوب أفريقيا، وتسببت في سقوطه.

ترامب لم يعترض على مواصلة نتنياهو للحرب، ولا على إعلانه «عربات جدعون 2» رغم رفض واعتراض أغلبية الشارع الإسرائيلي، بما فيه عائلات المحتجزين والمعارضة، وايده في مواصلة الحرب حتى سحق «حماس»، حسب وصفهما، وظهر ترامب بعد مائتي يوم في البيت الأبيض، أسوأ بكثير مما كان عليه جو بايدن في الولاية الرئاسية السابقة، فقد شارك بايدن إسرائيل حربها، وكان ذلك حين كانت الحرب في أولها، تبدو كرد فعل على السابع من أكتوبر، ولتحقيق أهداف تحرير المحتجزين، وتأمين حدود إسرائيل الجنوبية، وما إلى ذلك، وواصل بايدن محاولة التأثير على نتنياهو حتى تكون الحرب اقل صراحة فيما ظهرت عليه من حرب إبادة صريحة، وحتى انه حاول ثنيه مع العالم عن اجتياح رفح، التي كانت قد تكدست بالنازحين من كل أرجاء القطاع، كمعقل أخير، أما ترامب فهو لم يتوقف عن الضغط على نتنياهو، ولا أن يظهر انحيازه لإسرائيل وحسب وليس لمجرمي الحرب منها، أو المتطرفين فيها، وحسب، بل انه يواصل مؤازرته، بل وشراكته جريمة الحرب، وهي في هذه الحالة، من الفداحة، وبعد أن انفض العالم كله عن تفهم أسبابها، بما في ذلك أغلبية إسرائيلية شعبية وسياسية!

اكثر من ذلك فإن إدارة ترامب، وقد وضعت كل «بيضها» في سلة نتنياهو، بما فاجأه هو شخصيا، خاصة بعد أن كان هناك توتر في العلاقة الشخصية بينه وبين ترامب خلال ولاية بايدن، بين عامي 2020 ــ 2024، أصدرت قرارا يتناقض تماما مع «اتفاقية المقر» الخاصة بمنظمة الأمم المتحدة، حيث اصدر مارك روبيو وزير خارجية ترامب قرارا بعدم منح نحو قيادات منظمة التحرير والسلطة تأشيرات لحضور اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي سينعقد في النصف الثاني من أيلول الحالي، ومثل هذا القرار، لا يؤكد استخفاف واشنطن بالقانون الدولي، بل يؤثر سلبا تماما على مكانتها كدولة عظمى، أو كدولة تقود العالم.

والغريب أن إدارة ترامب تبدو على شاكلة حكومة نتنياهو، ليس فقط من زاوية أنها تقف على جانب متعارض مع العالم بأسره، بل إنها تتبع سياسة أقلية ضيقة على الصعيد الداخلي أيضا، فاستطلاعات الرأي داخل أميركا أيضا تشير إلى أن أغلبية الأميركيين ضد مواصلة الحرب الإسرائيلية على غزة، بل إن 60% من الشباب ما بين سن 16 ــ 24 باتوا منحازين لفلسطين، ورغم كل هذا ورغم أن 146 دولة من أصل 193 في العالم تعترف بدولة فلسطين، فيما عشرات الدول أعلنت بأنها ستعترف بدولة فلسطين بعد أيام في اجتماع الأمم المتحدة، إلا أن إدارة ترامب ما زالت ترفض الاعتراف بدولة فلسطين، وتقول كلاما عفا عليه الزمن، وهو أن هذه الدولة يجب أن تكون نتيجة التفاوض مع إسرائيل، وهي تعلم بأن إسرائيل في ظل اليمين قطعت الطريق على حل الدولتين منذ زمن طويل.

وفي الوقت أيضا الذي تصمت فيه إدارة ترامب إزاء القرصنة الإسرائيلية على أموال المقاصة الفلسطينية وهي تنفيذ فعلي لسياسة العنصري بتسلئيل سموتريتش، لإسقاط السلطة، وإزاحتها من طريق ضم الضفة الغربية لإسرائيل، يقدم روبيو بناء على توصية من جدعون ساعر وزير خارجية إسرائيل اليميني الرافض لحل الدولتين، وذلك للتأثير سلبا على تحول اجتماع الأمم المتحدة إلى احتفاء عالمي بإعلان قيام دولة فلسطين، واعتراف أغلبية دول العالم بها، بما في ذلك الدول الأوروبية وفي مقدمتها دولتان عظميان، تتمتعان بحق «الفيتو» من بين خمس دول في العالم، وهذا يؤكد تماما، أن أميركا وحدها باتت تجلس لجانب إسرائيل في مواجهة العالم كله، فإذا كان العالم محكوما منذ الحرب العالمية الثانية بما كان عليه مجلس الأمن من توازن بين دولتي الشرق: الصين وروسيا، ودول الغرب: أميركا وفرنسا وبريطانيا، فإن اعتراف اربع دول من اصل خمس في مجلس الأمن، مع اعتراف اكثر من 160 دولة من اصل 193، أو اكثر من 75% بدولة فلسطين، يعني بأن إسرائيل وأميركا وحدهما باتا ضد إرادة العالم كله.

واضح أنه على عكس ما اعلن بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية من انه يريد أن يرى وقفا للحرب في غزة في دخوله البيت الأبيض، بما ساهم في إنجاز صفقة التبادل الثانية، التي جرت في كانون الثاني الماضي، فإن مجمل مواقف إدارة ترامب خلال الفترة الماضية، أي خلال مائتي يوم، تشير إلى انه قد عقد شراكة تامة مع نتنياهو، أساسها هو ما اعلنه عند استقباله نتنياهو في شباط الماضي في البيت الأبيض، وبعد ذلك الإعلان جاءت مواقف إدارة ترامب، وكذلك سياسة نتنياهو الميدانية لتؤكد تحقيق هذا الهدف، الذي اجتمع عليه الطرفان، فالهدف حقق لنتنياهو «استقرار» الائتلاف الحكومي المتطرف، مع التأييد الأميركي، إن كان في الموقف التفاوضي الخاص بالصفقة، أو بمواصلة الحرب، بحجة تنفيذ عمليات من مثل «عربات جدعون» لممارسة الضغط التفاوضي على «حماس».

فمقترح صفقة ويتكوف جاء في هذا السياق، واعتمد على رفض «حماس» له، بسبب يعود لطبيعته المجحفة والمنحازة، والتي اعتمدت مقايضة المساعدات الإنسانية التي تسبب وقفها في إطلاق المجاعة لاحقا، والدليل هو انه بعد موافقة «حماس»، لم تستجب إسرائيل للموافقة، لعقد الصفقة الجزئية، وكذلك لم تغضب أميركا من الموقف الإسرائيلي، كما أشرنا أعلاه.

ثم إن «عربات جدعون» نفسها، ومواصلة الحرب وفق مسارين ثابتين هما: تنفيذ القتل اليومي بمعدل ما بين 50 ــ 100 شهيد يوميا، مع جرح ما بين 200 ــ 500 آخرين، بما أوصل نسبة الضحايا حتى الآن فقط إلى ربع مليون فلسطيني، أي ما نسبته خمس السكان جميعا، والمسار الثاني هو تسوية قطاع غزة بالأرض، وقبل «عربات جدعون» كان هذا الحال ينطبق على شمال وجنوب القطاع، أي بيت حانون وجباليا، ثم رفح وخان يونس، وذلك في تبرير أمني، لكن «جدعون 2» تهدف إلى تسوية ما تبقى بالأرض، أي مدينة غزة والمنطقة الوسطى، وذلك لا يمس فقط اكثر من مليون إنسان، أي نصف سكان قطاع غزة، وحسب، حيث يصبحون في العراء وحسب، ولكن حتى تجهز غزة لخطة ترامب، بعد القتل والتدمير التام، هناك فتح باب التهجير البخس، ليبدأ ترامب تجارته على حساب الجثث والدمار.