نشر بتاريخ: 2025/09/08 ( آخر تحديث: 2025/09/08 الساعة: 11:43 )
غسان زقطان

المشادات و«تفاهة الشر»

نشر بتاريخ: 2025/09/08 (آخر تحديث: 2025/09/08 الساعة: 11:43)

منعت «دائرة الهجرة والسكان الإسرائيلية» رئيس بلدية برشلونة «جاومي كلبوني» من الوصول إلى رام لله بسبب تضامنه مع فلسطين، هذا حدث كبير وإجراء غريب فج ومتغطرس، ردات الفعل وتغطية الحدث في وسائل الإعلام على الأقل، لم تصل إلى المستوى المطلوب، رغم أنه كان يمكن تحويل المنع إلى برنامج إعلامي ورسالة لمدن العالم حول سجن الضفة الكبير، بدل أن يذوب في الفوضى.

إن منع زيارة رئيس بلدية من البلديات الكبرى في حوض المتوسط أمر كان يمكن توقعه، والتخطيط المسبق لمواجهة مثل هذا الإجراء، قرار المنع هنا، لا يقل أهمية إعلامية عن الزيارة نفسها.

ورغم ذلك سيضاف، بسبب تلاحق الأحداث وتصاعد عزلة إسرائيل، إلى سلسلة واسعة من «المشادات» وردّات الفعل التي تخوضها حكومة إسرائيل مع العالم، الغربي على وجه الخصوص، مواجهات، أقرب إلى التلاسن، تصاعدت بقوة أمام موجة الاعترافات بالدولة الفلسطينية، ويشارك فيها الجميع في إسرائيل، من ابن نتنياهو «يائير» إلى «ساعر» وزير خارجيته ونواب حزبه وصولا إلى كاتس وبن غفير وسموتريتش، حيث يواصل الأول حراسته لأبواب «الجحيم» التي يلوح بفتحها على طهران وبيروت وصنعاء وغزة، والأوسط إزجاء نصائح الحرق والتجويع والضم واعتقال أسطول الصمود الذي يزحف نحو شواطئ غزة، والأخير معاقبة أوروبا عبر تصعيد الاستيطان في الضفة الغربية وتبديد فكرة «الدولة الفلسطينية».

لا أدري إذا كانت هناك خطة ما لاستثمار هذه الأحداث المتلاحقة لدى مؤسساتنا الرسمية وشبكة الدبلوماسيين الواسعة، فالمواجهة مرشحة لتصعيد جديد في الأسبوعين القادمين، أسطول المتضامنين على وشك الظهور في الأفق، والاعتراف شبه الجماعي بالدولة الفلسطينية يقترب من منبر الهيئة العامة للأمم المتحدة، وثمة إشارات، ضعيفة وباهتة، بدأت تصل من الشوارع في إسرائيل حول أخلاقية الحرب، على خلفية إعلان الأمم المتحدة «المجاعة» في غزة، والتداعيات التي يمكن أن تنتج عن هذا الإعلان، رغم أن لا شيء تغير حتى الآن، بينما يواصل الهلال الأحمر الفلسطيني نشر أرقام متصاعدة لضحايا التجويع من الأطفال على وجه الخصوص.

في إسرائيل يدفعون 45 مليون دولار لمحرك البحث «غوغل» ومئات المؤثرين لنفي المجاعة، ومن ملجأه يخوض «نتنياهو» ماراثون مشادات مع الجميع تقريبا، عشرات آلاف المحتجين في الساحات ومفارق الطرق، رئاسة أركان الجيش وجنود الاحتياط الرافضين للخدمة، الجدل وتبادل الرسائل والتصريحات مع زعماء الغرب، جدل تكتنفه «خيبة الأمل» المتبادلة مع زعماء كانوا حتى وقت قريب حلفاءه الأقرب؛ وبعضهم كان في مقدمة الرتل الذي وصل تل أبيب صبيحة الثامن من أكتوبر 2023. خيبة الأمل الغربية في أن «إسرائيل تتصرف بعيدا عن جوهرها الديمقراطي والأخلاقي»، وخيبة الأمل الإسرائيلية في أن «العالم المتحضر لا يتفهم حاجات إسرائيل في الدفاع عن وجودها».

بينما استطاع رجل إنكليزي متقاعد يتكئ على حاجز معدني في أحد الشوارع، أن يختصر الأمر في إحدى «مقابلات الشارع» على «اليوتيوب»:

- إسرائيل أقيمت على عجل في 5/14/ 1948، ثم يضيف، هذا عيد ميلادي أيضا، قبل أن يعلق على ما تفعله إسرائيل في فلسطين باختصار كثيف: «هذه تفاهة الشر».