إطلالة "جعبرية" جديدة

عدلي صادق
إطلالة "جعبرية" جديدة
الكوفية لأن قيادة السلطة في رام الله، ظلت تعتقد أنها تملك ترف التفرد والتسلي بالمشاحنات والقصص الصغيرة، مع جهل مطبق بالبُعد الاجتماعي للسياسة؛ خرج علينا واحد من الحثالات، يُدعى وديع الجعبري، بذقنه المرسلة إلى أدنى، ليقول بالفم الملآن: "إن منظمة التحرير الفلسطينية قد أطلقت على نفسها اسم حركة تحرير. لكن ما إن تولت السلطة حتى تصرفت فقط لسرقة أموال الشعب، وليس من حقها تمثيلنا - لا هي ولا حماس، بل نحن فقط" حسب ما نقلت عنه الصحافة العبرية، وقدم التفصيلات نير بركات، رئيس بلدية القدس المحتلة السابق، ووزير الاقتصاد الحالي في حكومة مجرمي الحرب!
وديع هذا، المُكنّى "أبو سند" يقول إن معه أربعة ذقون، يسميهم "شيوخ عشائر" كانوا يزورون بركات في بيته طوال شهور حرب الإبادة، ويطلبون اعتراف إسرائيل بـ "إمارة الخليل" كممثلة للسكان العرب في هذا القضاء، ويعلنون القبول بإسرائيل كدولة يهودية وهو الأمر الذي لم تقبله "المنظمة" على النحو الذي يتجاوز عقوداً مما يسمونه الرفض الفلسطيني حسب محاججنهم.
الانجاس الوضيعون الأربعة، جلبوا معهم آخرين طلبوا التكتم على أسمائهم، لكنهم جميعاً أرسلوا لنير بركات شريط فيديو لهم بينما هم يوقعون على رسالة الخيانة.
تفصيلات أخرى رواها نير بركات للصحافة العبرية وقرأناها بالإنجليزية.
تاريخ طويل، من الخروج عن المسار الوطني، لمتزعمي عائلة الجعبري ـ دون إرادة أسرها ـ وكان رمزها الأول، الشيخ محمد علي الجعبري، الذي لم يتورع عن تأجير قمرجي متعثر، يُدعى ياسر الكركي لكي يرتب عملية اختطاف ثم اغتيال لمؤسس صحيفة "الفجر" الوطنية المقدسية يوسف نصري نصر في شهر فبراير 1974 وذلك على خلفية مقال ضد سلوك الجعبري السياسي عندما كان رئيساً لبلدية الخليل. وكان نفرٌ من عائلة الجعبري قد أعدوا صفقة مع الشرطة الإسرائيلية ومع الكركي لكي يعترف بارتكاب الجريمة لأسباب التعثر في القمار فينقطع خيط التحقيق. وفي مارس 1976، وبعد سنتين من دخول الكركي إلى السجن، قدّمت عائلة الراحل يوسُف نصر التماساً إلى “محكمة العدل العليا” بواسطة المحامية “فلتسيا لانغر” لإعادة استجوابه، وتم ّاستجوابُه بالفعل بحضورِها، ولكن دون الخروج بأيِّ جديدٍ حول مكان جثة الشهيد يوسف نصري نصر، أو حيثيّات عملية الاختطاف، وأحيلت الجثة إلى مقبرة الأرقام، وقد أطلق سراح الكركي قبل انتهاء مدة محكوميته التي أمضى منها ثُلُثَها، وسافر إلى عمّان لتختفي آثارُه!
"الشيخ" محمد علي الجعبري ذاك، كان هو الذي افتتح وترأس أعمال المجلس الوطني الفلسطيني الأول، المنعقد في القدس يوم الثاني من يونيو 1964 وبسبب ظهوره يومها، ثم تسلمه بلدية الخليل، ظل طوال سنة 1972 يهاجم الرئيس السادات بسبب ما يصفه تهديداته بشن الحرب قبل أكتوبر 73وقد أحرجنا بتلك الثرثرة السفيهة.
في سنة 2002 ظهر نَصّاب وصاحب أسبقيات احتيال، يُدعى أشرف الجعبري، وصرح من موقعه في حماية المستوطنين بأنه ضد السلطة ومع بقاء الاحتلال الإسرائيلي، وظل يتذرع بالفساد وهو أنجس من ذيل الكلب.
وفي فبراير من السنة الماضية (2024) هَلَك فريد خضر الجعبري (المُعرّف باعتباره :شيخ عشيرة الجعبري "أبو خضر") بعد تاريخ طويل من العمالة المتسربلة في إهاب رجل إصلاح يمسك بناصية الحكمة، وكان المذكور في سنة 2020 قد قاوم أمن السلطة الذي حاول اعتقاله، وتدخل جيش الاحتلال لحمايته، وأبلغ السلطة أن هذا الرجل مواطن إسرائيلي يُمنع المساس به!
تحت الاحتلال، كانت وما تزال العائلة الكبيرة، ومن بينها وطنيون ومقاومون وأخيار كُثر، مبتلاة بتصعيد شيوخ تمنحهم سلطة العدو هامشاً لحل إشكالات صغيرة، لتعزيز أدوارهم، وفي المنعطفات التاريخية الفارقة، وكلما حلّت بالشعب الفلسطيني نكبة، كانوا يخرجون إلى العلن ويسجلون محاولاتهم نفي الوحدة الفلسطينية الجامعة، تحت عنوان حماية الخليل، ويكيلون الشتائم لفكرة الوطنية الفلسطينية، وعندما يلم الوطنيون أشتاتهم سرعان ما يختفون.
لم يكن هذا سيحدث، لو كنا بصدد قيادة فلسطينية، تعرف ـ مثلما أسلفنا ـ البُعد الاجتماعي للسياسية، وتندمج بالكتلة الشعبية ولا تنعزل عنها، وتوسع تمثيلها للمجتمع، وتفعل ما تستطيع للبرهنة على أن لكل فلسطيني مصلحة في تعزيز قوتها واستمرار دورها.