بيسان فيّاض رمز للإخفاء القسري

ريما كتانة نزال
بيسان فيّاض رمز للإخفاء القسري
الكوفية في غزة، حيث تختلط الحياة مع الموت، موت الروح يسبق موت الجسد، انفجرت واحدة من أبشع قصص الإخفاء القسري.
بطلتها الشابة بيسان فضل محمد فياض، التي تم تسليمها من قبل سلطات الاحتلال لأهلها لدفنها، وهو ما فعلته العائلة في بداية كانون الثاني الماضي ودفنتها شهيدة، لتكتشف العائلة لاحقاً أنها ما زالت حيّة تُرزق، أسيرة في سجون الاحتلال تحمل رقماً خاصاً بها كما جميع الأسرى والأسيرات. لكن لكل رقم قصة وحكاية.
الحكاية تقول إن العائلة تسلّمت جثماناً قيل إنه يعود لابنتها بيسان بعد اختفائها ومعه بعض مقتنياتها الشخصية: نصف بطاقة هوية الابنة الشخصية وبعض الملابس ومحفظة.
صُدمت العائلة وأعلنت الفقد والحداد وشيّعتها بجنازة حزينة في كانون الثاني من العام 2025، بعد تسجيلها كشهيدة في السجلات الرسمية كرقم جديد إلى جانب عشرات الآلاف من الشهداء، قبل اكتشاف العائلة في آذار الماضي أن الجثمان المدفون لا يعود لابنتها.
المفاجأة أقسى من الخيال: بعد مرور شهور على الدفن، يتبيّن للعائلة أن بيسان لم تُستشهد، بل تقبع أسيرة في السجون الإسرائيلية في ظروف غير إنسانية كباقي الأسيرات في سجون الاحتلال، جرّاء حرمانها من العلاج ومعاناتها من إصابة خطيرة في العمود الفقري تسببت بشلل نصفي.
قصة بيسان فياض ليست خطأ عابراً. بل جريمة مركَّبة: قصة عذاب مزدوج للأسيرة وعائلتها، وقصة من قصص الإخفاء القسْري والتلاعب بالجثث والتنكيل بالأسرى، وتضليل مُتعَمَّد للعائلة وتعذيبها عبر تسليم جثمان مجهول، وحرمان الأسيرة من حقها في العلاج.
جريمة ترقى إلى جريمة حرب وانتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف، كاشفة النقاب عن سياسة ممنهجة تمارسها سلطات الاحتلال ضد الفلسطينيين، نساءً ورجالاً، أطفالاً وشيوخاً، أحياءً وأمواتاً، وهي حالات غير معزولة عن ممارسات تقع على مدار الحرب الهمجية أمام عالم لا يدري طريق إنقاذ غزة من غرائز وحشية، تفتح الباب عن تساؤلات أخلاقية جديدة تُضاف إلى السجل الأسود لجرائم الاحتلال طارحة التساؤلات حول الانحطاط القيمي الذي انحدرت إليه دولة الاحتلال.
وقع الخبر كالزلزال على العائلة مرتين: مرةً عند دفنها، ومرةً عند اكتشاف أنها حيّة بعد ثمانية أشهر من الحزن، صدمة قلبت حياة الأسرة رأساً على عقب، تاركة جرحاً لا يندمل..
بيسان ليست حالة فردية، بل هي نموذج لمعاناة مئات العائلات الفلسطينية التي تعيش بين فقدان الأبناء والخوف عليهم من مصير مجهول.
قصة بيسان تلقي الضوء على ملف المفقودين والمخفيين قسراً في السجون الإسرائيلية، وهو ملف ظلّ مغيّباً عن الاهتمام الدولي رغم خطورته.
اليوم، بيسان فياض ابنة التاسعة والعشرين عاماً ليست مجرد اسم، وليست قضية عابرة أو حادثا فردياً، بيسان شاهد حي على إحدى صور الظلم والاضطهاد، بيسان واحدة من رموز المظلومية طويلة الأمد ورمز من رموز الإخفاء القسري، بل رمز مضاعف: رمز لضحايا الإخفاء القسري، ولعائلات دفنت أبناءها دون أن تعرف الحقيقة، وجثث من تدفن حين يتم تسليمها من الاحتلال.. قصتها تقول بوضوح: في فلسطين، الاحتلال لا يكتفي بقتل الأحياء، بل يعبث بالموتى، القصة تقول بملء الفم: إن الفقد والموت ليسا شأنا عائلياً خالصاً، بل امتحان عسير لضمير العالم.
قضية بيسان الجديدة تُمثل نداءً إنسانياً عاجلاً لا بد أن تتردد أصداؤه في أروقة الأمم المتحدة، والمؤسسات الحقوقية الدولية، والصليب الأحمر الدولي، من أجل التدخل فوراً للكشف عن مصير كافة المفقودين، وضمان الإفراج عن بيسان وتقديم العلاج لها. فالصمت الدولي أمام مثل هذه الجرائم لا يعني سوى تشجيع الجلاد على التمادي.