نشر بتاريخ: 2025/09/12 ( آخر تحديث: 2025/09/12 الساعة: 15:09 )
رجب أبو سرية

نتنياهو يتشبّث بالبقاء قبل خط النهاية

نشر بتاريخ: 2025/09/12 (آخر تحديث: 2025/09/12 الساعة: 15:09)

لا بد من العودة للوراء قليلا، لمعرفة الظروف التي تحيط باللحظة الراهنة، التي تشهد حرب إبادة إسرائيلية متواصلة منذ عامين، تأكدت كل الدنيا أنها أبعد بكثير من رد ثأري على عملية السابع من أكتوبر 2023، وأنها محكومة بهدف عسكري أو سياسي واضح، بالنظر إلى عدم تحقيق كل الأهداف العسكرية التي أعلنتها القيادتان السياسية والعسكرية الإسرائيلية، بشكل تام على الأقل، كما أنها بالتأكيد فشلت في الاقتراب من الأهداف السياسية بعيدة المدى، والتي كشف عنها بنيامين نتنياهو وجوقة حكومته، في لحظة زهو بعد تحقيق إنجاز تكتيكي هنا أو هناك، حين تحدث عن تغيير الشرق الأوسط بما يعني فتح الأفق لإسرائيل الكبرى، أو قصيرة المدى، تلك الأهداف الخاصة بأرض دولة فلسطين المحتلة، أي تهجير قطاع غزة وضم الضفة الفلسطينية، وبقي ما يجبر نتنياهو على مواصلة الحرب، هو الحفاظ على بقائه رئيسا للوزراء، وذلك بالحفاظ على الائتلاف الحاكم، بين الليكود وحزبي المستوطنين، العظمة اليهودية والصهيونية الدينية.

تفهم العالم بما فيه أميركا الحرب الإسرائيلية بضعة أسابيع أو حتى أشهر، وكان أول وأهم مفترق طرق بعد إطلاق الحرب بستة أشهر، أي عندما حذر العالم بأسره نتنياهو من اجتياح رفح، وأصر على ذلك على اعتبار أن إلحاق الهزيمة بحماس سيكون ناقصا، ولن يتحقق إلا باجتياح رفح، وادعى أن قيادة حماس مختبئة هناك، وما إلى ذلك، وما يظهر مدى الفجوة التي باتت في تلك الفترة بين العالم وإسرائيل، هو أن الرئيس الأميركي جو بايدن، قدم مبادرة لإنهاء الحرب، دون اجتياح رفح، وتحولت إلى قرار في مجلس الأمن، قبلته حماس، ورفضه نتنياهو، وكان من شأن ذلك أن خسر بايدن فرصته في البقاء في البيت الأبيض، رغم ذلك تابع خط سير التفاوض مع الثنائي المصري والقطري، لكن دون جدوى، بعد أن وضع نتنياهو عينه على الاستمرار بالحرب وعدم وقفها للحفاظ على ائتلافه، ولإسقاط كامالا هاريس، لتفضيله بالطبع المرشح الجمهوري، وقد نجح في ذلك بعد فوز دونالد ترامب، رغم الضرر البالغ الذي يلحق كل يوم بمكانة إسرائيل العالمية، ورغم أيضا خسائرها على صعيد قتلى الجيش وعلى صعيد الاقتصاد، وعلى صعيد تزايد الخلاف الداخلي.

وفق حسابات الربح والخسارة، ونظرا إلى أن إسرائيل خاضت كل حروبها السابقة بشكل خاطف، فإن خوضها لهذه الحرب كل هذه المدة، لا يعتبر فقط سابقة، كما أن الحرب تدل دلالة قاطعة على أن بقاء إسرائيل بعد 80 سنة من إنشائها، في حالة حرب، يضع ألف علامة استفهام على مسلة كونها دولة عادية أو طبيعية، والأهم هو أنها ليست على حالة عداء مع دولة واحدة، باختلاف على حدود، أو بسبب مشاكل أقليات، لكنها ما إن تعقد اتفاقية سلام مع دولة عربية، حتى تدخل في حالة حرب مع أكثر من دولة أخرى، وفق حسابات الربح والخسارة في الحروب، كان على إسرائيل أن تراجع نفسها مبكرا، أي منذ مبادرة بايدن، وما يؤكد هذا هو انسحاب كل من بيني غانتس وغادي آيزنكوت من حكومة الطوارئ وهما خبيران عسكريان، هرعا للحفاظ على مصالح الدولة، لكنهما تأكدا من أن نتنياهو يواصل الحرب بدافع من مصلحته السياسية الخاصة، وهكذا واصل نتنياهو الحرب، وعند كل إنجاز تكتيكي، كان يصر على مواصلة الحرب، بدلا من التوقف عند ذلك الحد، حدث هذا مع اغتيال حسن نصر الله وإسماعيل هنية، قبل عام من اليوم.

ورغم انصياعه لمطلب ترامب مطلع العام، بالانتهاء من الحرب، قبل أن يدخل الرئيس الأميركي الذي جاء يرفع العصا الغليظة بوجه كل الدنيا، ووافق على صفقة التبادل في كانون الثاني الماضي، إلا أنه لم يتابع تنفيذها لتجنب وقف الحرب، وهو بذلك قام باحتواء ترامب، إلى أن أقنعه، ونتنياهو خبير استثنائي بالمراوغة والكذب، ومع ترامب يبدو الأمر سهلا جدا بالنسبة له، بأن النصر لا يتحقق، وبالتالي لا تضع الحرب أوزارها دون ضرب إيران، ويجب عدم الاكتفاء بقطع أذرعها، بعد أن صدق الإسرائيليون والأميركيون على طريقة جحا، ما ادعوه بأنفسهم، من سحق حزب الله وإسقاط سورية ووقف العراق، وسحق حماس، وكانت الضربة المزدوجة لإيران ما بين 12 - 22 حزيران الماضي، والتي توقفت بعد مشاركة أميركية مباشرة، رأى فيها ترامب تحقيقا لمفهومه للسلام بالقوة، أي استخدام القوة الساحقة لفرض شروط الاستسلام على الآخرين، وهو كان يفاوض إيران، والتفاوض عنده أن يعرض ما يريد وحين لا يوافق الطرف الآخر يجبره بالقوة، وهذا ما استغله نتنياهو في ترامب فيما يخص غزة.

وفي حين كان يجب أن تتوقف الحرب، إن لم يكن في كانون الثاني حين دخل ترامب البيت الأبيض، ففي حزيران بعد ضرب إيران، وبعد أن عقد ترامب نفسه اتفاق عدم تبادل القصف مع الحوثي اليمني، لكن ستيف ويتكوف كان يحمل المقترحات الإسرائيلية على أنها اقتراحات أميركية، وبالطبع كان أهمها هو المقترح الذي وافقت عليه حماس في 18 الشهر الماضي، وكان اقترحه ويتكوف في حزيران، ووافقت عليه إسرائيل لأنه أصلا مقترح إسرائيلي، وذلك استنادا إلى أن حماس سترفضه، ورفضها هذا سيستند إليه ترامب بتنفيذ تهديده الدائم بفتح أبواب الجحيم، مع أن الأهم كان إعلانه عن تهجير سكان غزة وتحويلها لمنتجع سياحي، هذا الإعلان الذي برر لإسرائيل رغم معارضة جيشها ممثلا برئيس أركانه السابق هيرتسي هاليفي، أن تذهب لعملية عربات جدعون، وكان التبرير جاهزا، بممارسة الضغط الميداني لإجبار حماس على قبول الاستسلام، فالتفاوض بات مع ترامب هو فرض الشروط بالقوة، والتفاوض لا يعني حلا وسطا، لهذا ظهرت الفجوة كبيرة بين رعاة التفاوض، أي قطر ومصر من جهة وأميركا من جهة ثانية.

والغريب وما يؤكد أن نتنياهو بعد أن وصل ظهره للحائط، لدرجة أنه لا يهتم لا بالمعارضة السياسية، ولا بالمعارضة الشعبية، وقد هاجم المتظاهرين في القدس قبل أيام، وهم يهود إسرائيليون، هو أنه لم يعد يتحدث عن تحقيق أهداف عسكرية، بعد أن بات ذلك مضحكا، فالجيش منهك، وهو في نفس الوقت يدافع عن إعفاء الحريديم من التجنيد العسكري، هو تكرار العمليات العسكرية نفسها، ورغم أن الأمر وصل مع المسح الشامل وإطلاق المجاعة، إلى أن يحرق نتنياهو كل سفنه مع القضاء الدولي، ومع المجتمع الدولي برؤسائه وحكوماته وشعوبه، بل ومع نصف الشعب الإسرائيلي ومؤسسات الدولة - الجيش والأجهزة الأمنية بعد القضاء بالطبع - هو أنه يكرر ما جربه أكثر من مرة، ونحن لا نقصد فقط تكرار العمليات العسكرية في غزة، وخير دليل، أو أحدث الأدلة هو تكرار عربات جدعون، بعد جدعون 1، جاء جدعون 2، بل نقصد ممارسة الاغتيال، والحقيقة تقول، إن اغتيال قيادات حماس لا في السابق أي قبل سنوات، ولا مع أول هذه الحرب، حين اغتيل صالح العاروري، ولا في وسطها حين اغتالت إسرائيل إسماعيل هنية، ولا بعد اقترابها من خط النهاية باغتيال يحيى السنوار ومحمد الضيف، قد انتهى أمر حماس، فلماذا يكون اغتيال قيادتها في الخارج مختلفا؟ .

الحقيقة التي ترجح انفلات نتنياهو من كل الحسابات السياسية وحتى الأمنية، وكأنه في لعبة «قمار» يلقي في اللحظة الأخيرة بكل رصيده، لعل وعسى يحقق شيئا، هو أنه يسعى وقد بات مدركا أكثر من أي وقت مضى، أن خط النهاية قد اقترب مع فاصل أيام قليلة عن الاجتماع التاريخي للجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث تمثل الشراكة الفرنسية السعودية، أي التحالف الأوروبي الخليجي، وهما قوتان

اقتصاديتان وسياسيتان مهمتان للغاية، بعد أميركا وبريكست، حدثاً من شأنه أن يغير شكل وجوهر النظام العالمي، وان يبدأ بفلسطين، يعني أن فلسطين ستجد مكانها الطبيعي كدولة مستقلة في النظام العالمي الذي سينشأ بعد النظام العالمي الأميركي.

نتنياهو يسعى مع يقينه بأنه سيجبر على وقف الحرب، إلى عدم السقوط، ولا يكون ذلك إلا بإقناع بن غفير وسموتريتش، بأنه فرض الاستسلام على حماس، لهذا أعطى قرار استهداف قادة حماس بتوجيه الضربة إلى الدوحة، وهو يعرف أن ذلك حدث فاصل، فقطر دولة خليجية عضو في الاتحاد الأمني الخليجي، وهذا القصف يستهدف لأول مرة طرفا ليس من ضمن أذرع إيران، وقطر حليف لأميركا، بدليل قاعدة عيديد وتريليونات الدولارات التي حصل عليها ترامب منها والسعودية والإمارات، ورغم التفاصيل الكثيرة، ومنها أن سبب الفشل يعود إلى أن الجيش هو الذي نفذ العملية وليس الموساد، إلا أن الدلالة الأهم، هي أن نتنياهو قد وصل خط النهاية، وأنه قاب قوسين أو أدنى من السقوط المدوي.