نشر بتاريخ: 2025/10/22 ( آخر تحديث: 2025/10/22 الساعة: 11:11 )
توفيق أبو شومر

هل سيُنهي مشروع ترامب مأساة غزة؟

نشر بتاريخ: 2025/10/22 (آخر تحديث: 2025/10/22 الساعة: 11:11)

ستبقى إسرائيل تعيش في ماضيها، ولن تتغير، فهي كما قال، آرون غاندي، حفيد المهاتما غاندي: «مثلُ الإسرائيليين كمثل سائق عربة يقود سيارته بينما يوجِّه نظره دائماً إلى الخلف»!

زار الكاتب، أرون غاندي المولود العام 1936 إسرائيل العام 2019 لكي يوقع عقداً مع الناشر الإسرائيلي، الذي ترجم كتابه عن سيرة جده المهاتما (The Gift of Anger) إلى اللغة العبرية، أجرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» مقابلة معه يوم 19-3-2019 حيث قال: «الأزمة بين الإسرائيليين والفلسطينيين تزداد صعوبة، لن يتحقق السلام بالقتل. فما يُؤخذ بالقوة، لن يُحافظ عليه إلا بالقوة، يجب على الإسرائيليين أن يتحرروا من عقدة الهولوكوست، هذه العقدة ستعوِّق مسيرة إسرائيل إلى الأمام، مَثلُ الإسرائيليين كمثل سائق عربةٍ يقود سيارته وهو يوجه نظره دائماً إلى الخلف، لهذا فإن المشاكل لن تُحل، بل تزداد صعوبة يوماً بعد يوم»!

كان مفروضاً أن تُنظَّمَ لهذا الكاتب ندوة ثقافية وإعلامية كُبرى في تل أبيب، ولكن مقابلته السابقة ومقولته «يجب أن تتحرر إسرائيل من عقدة الهولوكوست» وتشبيه إسرائيل بأنها دولة دائمة النظر للخلف، دفعت معظم الصحف الإسرائيلية إلى تجاهل ندوته، لأنه اعتدى على (سلفية) إسرائيل المتمثلة في مبدأين رئيسين، وهما: الهولوكوست، والسلفية التاريخية، حتى أن جامعات إسرائيل لم ترحب به، وبقي في الظل بسبب هذا الاتهام!

ستظل إسرائيل رهينة بمسلسل تاريخها الممتد إلى أربعة آلاف سنة، فهي الدولة الثأرية الوحيدة في العالم التي تطالب بحقها في الانتقام من أعدائها منذ ذلك التاريخ، وكمثال على ذلك سمّت حربَ، العام 1948 حرب يوآف وهو قائد جيش النبي داود، وسمت حرب العام 2008 - 2009 في غزة بأنها الرصاص المصبوب، تعود التسمية إلى زمن ثورة اليهود المكابيين على حكام اليونان، أما حرب العام 2012 فقد سموها عمود السحاب، وهي الغيمة التي غطت على بني إسرائيل من حر الشمس عندما طردهم فرعون، وعملية السيوف الحديدية في غزة العام 2023 ذُكرت في مزامير داود في التوراة، وعملية عربات جدعون في غزة، وجدعون قائد جيش النبي موسى الذي حارب المديانيين العرب.

سنَّت إسرائيلُ كذلك قوانينها وفقاً لحوادث تاريخية أسطورية، فهي لا تزال تسن القوانين التي تمجّد بطولات السلف الإسرائيلي الماضي، وتسن مبادئ سياسية تتعلق بجينات أعراقها الغابرة، مثل قانون الدولة اليهودية العام 2018، وفي البند الثاني من هذا القانون نصٌ يشير إلى أن مستقبل إسرائيل مرهون فقط بالعِرق اليهودي وحده، هذا القانون مثالٌ واحد على تلك السلفية، كما أن قصة القبائل اليهودية العشر الضائعة هي حلقة من هذا التاريخ؛ لأنه يُسهِّلُ عودة مَن ينتمون إلى العرق اليهودي فقط إلى إسرائيل، حتى لو كان ذلك على حساب طرد السكان الأصليين من موطنهم.

هذه السلفية والقوانين العنصرية منحتْ يهود إثيوبيا الإفريقيين، ويهود الهند والصين واليهود الآسيويين ومهاجري يهود إسبانيا وبلاد الخزر حق العودة إلى إسرائيل، وفي الوقت نفسه حرمت الفلسطيني صاحب الأرض من أن يَجمع شمله بأسرته!

صرح نتنياهو (السلفي) يوم 19-10-2025 قائلاً: «إن إنهاء الحرب على غزة كان سيعجل بنهاية إسرائيل وإن أيامها للبقاء معدودة، ولو خضعت إسرائيل لمن أجبروها لوقف الحرب لباتت نهايتها قريبة، ها هو، يحيى السنوار يتحول إلى صلاح الدين الأيوبي الذي هزم الصليبيين في القرن الثاني عشر واستولى على القدس»!

سأظل أتذكر هذه السلفية الإسرائيلية في إصرار إسرائيل على الحصول على رفات أشهر جاسوس إسرائيلي وهو إيلي كوهين.

هذا الجاسوس زرعته إسرائيل في سورية، ومنحته اسم، كامل أمين ثابت كاد هذا الجاسوس يصل إلى سدة الحكم في سورية، ولكنه اكتُشف أخيراً وجرى إعدامُه في ساحة المرجة بدمشق يوم 18 - 5 - 1956، ظل المطبخ الإسرائيلي مشغولاً بتحليل كل أثر لهذا الجاسوس، تمهيداً لمعرفة مكان دفنه في دمشق، وها هم اليوم قد حصلوا على 2500 وثيقة عنه بوساطة جهاز الموساد، وأشارت شبكة (I24) الإسرائيلية يوم 11-10-2025 إلى أن وفداً من الموساد هبط في سورية وحصل على تلك الوثائق، في إطار تفاهم بين البلدين!

وسيتم استلام رفات هذا الجاسوس لتحليله وإثبات أنه للجاسوس نفسه، تمهيداً لنقله إلى إسرائيل لكي يدفن فيها، ويُشار إليه كبطلٍ خارق من أبطال إسرائيل، مع العلم أن الموساد قد أعاد قبل سنوات ساعة يد إيلي كوهين، وها هو يعيد اليوم رسائل هذا العميل إلى زوجته، ناديا كوهين!

أما تحليل بقايا الجنود المخطوفين القتلى في غزة فسوف يخضع لفحص رفاتهم في مركز الطب الشرعي، وسوف يشارك في هذا الفحص المعقد كما قالت رئيسة قسم الطب في وزارة الصحة، د. هاجر مزراحي، خبراء من الجيش الإسرائيلي والحاخامية الدينية، وسوف يتكون طاقم الفحص من عشرات المختصين، ممن سيبحثون الجينات، هؤلاء شاركوا بخبراتهم في فحص جينات 2700 قتيل في برجي نيويورك يوم 11-9-2001 ونجحوا في تشخيص 1700 جثة، وهم قد نجحوا في تحليل خمس وخمسين جثة للرهائن في غزة!

أما عن (بطولة) دونالد ترامب الجديدة المبنية على تمكنه من إيقاف الإبادة في غزة فإنني سأظل أتذكر هذا الرئيس الأميركي، كبطلٍ من أبطال المصارعة الحرة، سيظل الرئيس، ترامب أسيراً لعقيدته (المصارعاتية) وهي حلق شعر خصومه السياسيين كمبدأ رئيس للظهور والتميز، فهو صاحب اللقطات المدهشة، وهو أيضاً سيظل أسيراً للظهور الإعلامي!

وهو لا يزال يستخدم تقنيات المصارعة الحرة مع كل مَن يلتقيهم من الزعماء، وكأنه يصارعهم فوق الحلبة، هل سيتمكن من احتكار لقطاته المدهشة ويطبق نظرياته في المصارعة الحرة على السياسة العالمية والشرق أوسطية؟

أعتقد أنه أجرى مقاربات بين نظرية المصارعة الحرة، وبين السياسة لأن لهما هدفاً مشتركاً يصب في مصلحة منظمي المباريات السياسية العالمية، هذه المقاربة بين المصارعة والسياسة هي جوهر الألفية الثالثة، لأن الهدف واحد وهو تحقيق الربح المادي والمعنوي، وإحداث الرعب في نفوس الخصوم لجني المكاسب وبيع منتجات المصانع الحربية!

سيظل الرئيس، ترامب أسيراً لنصيحة، الرئيس الأميركي الأسبق، جيمي كارتر حينما التقيا لقاء خاصاً عندما سأله كارتر: «أتعرف سبب قوة جمهورية الصين الشعبية؟» فلم يُجب ترامب عن السؤال، ولكن كارتر أجاب عن سؤاله السابق: «إن الصين لم تخض أي حربٍ من الحروب، ظلت تسعى لأن تطور مجتمعها صناعياً وعلمياً، وهي كذلك ليست شرطي العالم».

هذا التعليق من الرئيس كارتر جعل ترامب يُغير السياسة التقليدية إلى سياسة جني أكبر قدر من الربح المادي، وأن يسعي للانتعاش الاقتصادي والصناعي، وأن يكون مصلحاً بين الدول، تمهيداً لنيل جائزة نوبل للسلام!

وما مشروع السلام في «غزة» عند ترامب سوى خطوة احتفالية يمكنها أن تدعم حكمه إذا أكمل مشروعه بإعادة بنائها من جديد لتكون مصدراً من مصادر قوة أميركا اقتصادياً!

أما سياسته في الشرق الأوسط وبخاصة فلسطين فهي تنطلق من مبدأ رئيس يجب ألا يغيب عن اهتمامنا، فهي أولاً سياسة أميركية رئيسة تعتمد على ضرورة إيجاد إسرائيل في هذه المنطقة لتقسيم هذا الوطن، وهي تنطلق كذلك من مبدأ ديني رئيس يتمثل في الإيمان بإسرائيل كشرط لعودة الماسيح الإنجليكاني والماشيح اليهودي، دونالد ترامب مسيحاني صهيوني، ينفذ تعاليم قسيسته المشهورة، باولا متشل وايت، هي إحدى أبرز الشخصيات المؤثرة في الحركة المسيحانية الإنجيلية.

وهي المرأة الأولى التي أقامت الصلاة الافتتاحية في حفل تنصيب دونالد ترامب الأول 2017!

أما المؤثر التالي بعد القسيسة فهو سفير أميركا في إسرائيل السابق، ديفيد فردمان، أحد أبرز الداعمين لمستوطنة بيت إيل، الذي تمكن بسطوته العقدية من نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وتمكن من إرساء القاعدة الأولى لاتفاقية أبراهام، وحصل على اعتراف دونالد ترامب بضم الجولان السوري إلى إسرائيل، أما السفير الحالي، مايك هاكابي، فهو المؤثر الثالث في قرارات الرئيس ترامب، وهو السفير الثاني الأقرب إلى الرئيس الأميركي، وهو يسعى اليوم لضم الضفة الغربية كلها لإسرائيل!