نشر بتاريخ: 2025/09/01 ( آخر تحديث: 2025/09/01 الساعة: 19:03 )
طلال عوكل

حين تفقد الأمم المتحدة صلاحيتها

نشر بتاريخ: 2025/09/01 (آخر تحديث: 2025/09/01 الساعة: 19:03)

الكوفية القرار الذي اتخذته الخارجية الأميركية بعدم منح وفد السلطة الوطنية ومنظمة التحرير، تأشيرات الدخول إلى الولايات المتحدة، للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ينطوي على جملة من المؤشّرات:

الأول، أن الولايات المتحدة، تؤكّد التزامها المطلق بحماية الدولة العبرية، وتقديم كل الدعم الممكن بكل الأشكال الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية والعسكرية، حتى لو أدّى ذلك إلى انعزالها عن المجتمع الدولي.

الثاني، هناك ثمّة تطابق وشراكة كاملة بين الولايات المتحدة ودولة الاحتلال، بكل ما يتعلّق بممارسات ومخطّطات الأخيرة وحروبها العدوانية في المنطقة، وأن ما يبدو أحياناً على أنه تباين أو تعارض إنما يندرج في سياق تبادل وتكامل الأدوار.

الثالث، أن دولة الاحتلال تستمدّ سياستها بانتهاك كل قوانين وقيم حقوق الإنسان، والقوانين الدولية، وقرارات الأمم المتحدة، من واقع أن الولايات المتحدة هي في الأساس، صاحبة هذه السياسة، وهي التي تتكفّل بكل من يتجاوز كل هذه المنظومة حين لا يتعارض ذلك مع مصلحتها.

الرابع، أن مخالفة الولايات المتحدة للقوانين والأنظمة ذات العلاقة بدولة المقرّ للأمم المتحدة، إنما يؤكد مرة بعد أخرى طبيعة الظلم الذي ينطوي عليه النظام العالمي أحادي القطبية.

الهيمنة الأميركية تحيل الأمم المتحدة إلى واحدة من مؤسّساتها التي عليها أن تخدم سياساتها ومصالحها، وإلّا فإنها تصبح شاهد زور، مشلولة بـ»الفيتو» الأميركي.

الخامس، إن سعي البعض لتغيير هذا النظام إلى نظام متعدّد الأقطاب، إنما يؤدّي بالضرورة إلى إصلاح كبير في مؤسسات الأمم المتحدة حتى تصبح فعلاً مسؤولة عن الأمن والسلام والاستقرار العالمي.

وحتى الآن فإن أميركا بوصفها القوّة المهيمنة على مستوى المجتمع الدولي، هي المسؤولة عن كل الحروب، والفوضى التي تنتشر على سطح الكرة الأرضية.

تحتجّ الدول الغربية الحليفة لأميركا ودولة الاحتلال على قرار الإدارة، ولكن القرار لا يستحقّ من العرب أي تعليق أو إدانة، ولا يستحق من القوى الكبرى المرشّحة، لتبوُّؤ مكانة مركزية في النظام متعدّد الأقطاب، ونقصد الصين وروسيا، سوى بيانات لفظية لا تقدّم ولا تؤخِّر.

أمّا المؤشّر الآخر، فهو أن أميركا، قد أعلنت جهاراً نهاراً، وعلى نحو فجّ، عداءها للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، وعداءها لكل من يناصر القضية الفلسطينية.

إن المخطّطات الإسرائيلية التوسعية بكل تفاصيلها وعناوينها إزاء فلسطين والمنطقة عموماً إنما تتمّ بشراكة كاملة، مع الإدارة الأميركية، التي وضعت نفسها على رأس قائمة أعداء الحرّية والديمقراطية وحقوق الإنسان إن كان فلسطينياً أو عربياً أو دولياً.

بالنسبة لأميركا، لا فرق بين «فتح» و»حماس»، ولا فرق بين من يلتزم نهج المقاومة المسلّحة التي تضمنها قوانين الأمم المتحدة، ومن يلتزم بالمقاومة السلمية السياسية والدبلوماسية.

أفيغدور ليبرمان، يعلن تعليقاً على القرار أن الرئيس محمود عبّاس إرهابي مثله مثل «حماس»، أمّا الإدارة الأميركية فقد أرفقت قرارها بجملة من الاشتراطات للسلطة والمنظمة هي عبارة عن اتهامات.

المنهاج الفلسطيني يحرّض على الإرهاب، والسلطة عليها أن تكفّ عن السعي نحو مؤسّسات العدالة الدولية، وأن تكفّ عن السعي للحصول على اعترافات بالدولة الفلسطينية من طرف واحد.

لكأن المفاوضات جارية، أو ممكنة، بين دولة الاحتلال ومنظمة التحرير، وأن السلطة الوطنية بسعيها لنيل المزيد من الاعترافات تخرق هذا المجرى.

لا توجد مفاوضات، ولم تترك دولة الاحتلال فرصة لمفاوضات، و»الرباعية الدولية» انتهى أمرها منذ زمن، والوسيط الأساسي وهو الولايات المتحدة أصبح طرفاً، ودولة الاحتلال تخرق صباح مساء مجرى «المفاوضات» المغيّبة، ولكنها لا تستحق لفت النظر.

دولة الاحتلال لا تتحدّث فقط وإنما تعمل على الأرض لتقويض «حلّ الدولتين»، وفرض السيادة على الأرض في الضفة الغربية، وتعمل على تهجير الفلسطينيين، وتدمّر المخيّمات، وتصادر الأراضي، وتوسّع الاستيطان والمستوطنات، بالإضافة إلى ما يجري في قطاع غزّة، وكل هذا لا يشكّل ممارسات أحادية الجانب بالنسبة للإدارة الأميركية الشريكة.

كل الفلسطينيين إرهابيون، بالنسبة للشركاء حتى لو أنهم جلسوا في بيوتهم بلا مقاومة شعبية، سلمية أو مسلّحة، وحتى لو امتنعوا عن الكلام بحقوق لهم.

هذه هي الحقيقة التي يفترض أنها غير صادمة حتى للذين راهنوا ولا يزالون يراهنون على دور منصف في وقت ما، لأي إدارة أميركية.

الإعلانات الإسرائيلية لا تتوقّف عن النيّة لتفكيك السلطة الوطنية بعد أن واصلت لكثير من الوقت إضعافها.

المقاصة الفلسطينية تُسرَق «عينك عينك»، أمام الجميع، وإمكانيات السلطة المالية تتضاءل شهراً بعد الآخر، حتى أنها لم تعد قادرة على تغطية نفقات الرواتب.

الحلول إزاء «اليوم التالي» بشأن غزّة، لا ينبغي أن تكون بمشاركة فلسطينية مهما كان لونها، أو مسمّاها.

بقرارها فإن الإدارة الأميركية تحاول أن تمارس ضغطاً شديداً، على الدول التي أعلنت نيتها الاعتراف بدولة فلسطين.

هذا الموقف يمكن أن يتطوّر نحو اتخاذ إجراءات عقابية بحق تلك الدول، تماماً كما فعلت أميركا بحق قضاة «الجنائية الدولية».

أميركا تمتلك 99% من أوراق الحلّ كما سبق للرئيس المصري أنور السادات أن قال، ولكن التعامل مع هذه الحقيقة، مرهون بأحد خيارين: فإمّا الاستسلام والتسليم، وإمّا مقاومة الظلم والدفاع عن الحقّ.