نشر بتاريخ: 2025/11/09 ( آخر تحديث: 2025/11/09 الساعة: 12:48 )
أكرم عطا الله

قرون استشعار إسرائيل القلقة ..!

نشر بتاريخ: 2025/11/09 (آخر تحديث: 2025/11/09 الساعة: 12:48)

مؤتمر بلتيمور عام 1942 هو اللحظة الهامة في تاريخ الحركة الصهيونية التي ينتقل خلالها الثقل اليهودي من أوروبا للولايات المتحدة، بعد قراءة تراقب خلال الحرب العالمية الثانية أفول إمبراطوريات أوروبا الكبرى وصعود الإمبراطورية الأميركية التي ستعيش إسرائيل تطفلاً على مائدتها لعقود. يبدو أن مجسّات النبض في إسرائيل باتت تشعر بأن تغيرات هائلة تطرأ على الداخل الأميركي، ولن يكون لإسرائيل تلك المكانة التي احتلتها كشريك رئيسي بل ومؤثر في القرار الأميركي.

بالنظر لكل حروب أميركا في المنطقة لا يمكن فصلها جميعاً عن استهداف البلدان والزعماء المعادين لإسرائيل. هل كان ذلك مصادفة؟ صدام حسين وحرب العراق..! ليبيا والزعيم القذافي..! ايران وتحريض اسرائيل..! كل تلك التي أنجرت لها واشنطن وكلفتها أموالها وسمعتها كدولة متوحشة، لأن إسرائيل أرادت، ولم تكن الولايات المتحدة سوى ذراعٍ تنفيذية لتلك الإرادة لتسري مقولة أن إسرائيل تحكم أميركا. فالمال اليهودي الذي أسال لعاب الكثيرين من مرشحي الطبقة السياسية فعل فعله في إهانة أميركا، ما جعل نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس ينفي بغضب قائلاً «إسرائيل لا تسيطر على الرئيس ترامب» وفي النفي أحياناً تأكيد كما يُقال.

قد يكون في انتخابات عمدة نيويورك مؤشر شديد الأهمية ترافَقَ مع فوز عدة شخصيات من أصول عربية وإسلامية، في انتخابات اخرى جميعها تعكس تنامياً في الانفضاض عن إسرائيل، كما عبر ترامب نفسه، فقد أصبح المتمولون من إسرائيل محل انتقاد وسخرية واتهامات بالخيانة في لحظات معينة، وبدل أن يكونوا أبطالاً بدأ يُنظر لهم كمتعاونين مع جهات خارجية.

وأخذ معهد دراسات الأمن القومي «الذي يرأسه رئيس الاستخبارات العسكرية السابق «تامير هيمان» يدرس بعمق وبقلق الاتجاه المتنامي، وكأن السنوات الثلاث القادمة في عمر ولاية ترامب هي آخر فرصة لإسرائيل، فبعدها ستتغير أميركا، وعلى تل أبيب استغلال تلك الفرصة لتغيير خارطة المنطقة وضمان أمنها القومي.

في ورقة أصدرها المركز في السادس من تشرين الثاني تشير للتغيرات داخل الحزبين الديمقراطي والجمهوري التي تسير في غير صالح إسرائيل، ففي اليسار الأميركي كما تقول الورقة «يتزايد الصوت التقدمي الراديكالي داخل الجناح اليساري للنظام السياسي الأميركي، هذا اتجاه متطرف يسعى للتكفير عن خطايا الآباء المؤسسين، عبودية السود وقتل السكان الأصليين بالوقوف مع الضعفاء المستغَلّين .... ووفقاً لهذا المنظور يُنظر إلى دولة اسرائيل على أنها رمز للمستعمر الأبيض القوى المستغِل مقارنة بالشعب الفلسطيني الضعيف»

وفي نفس الاتجاه تشير الورقة إلى أنه «بعيداً عن الدوائر الراديكالية يتفاقم الإحباط من إسرائيل بين الدوائر الواسعة من اليسار الأميركي المعتدل، بما في ذلك التدخل الملحوظ للقيادة الإسرائيلية في الساحة الأميركية الداخلية» هذا بات ملاحَظاً من خلال العلاقة الوثيقة بين نتنياهو ترامب وظهور الرئيس الأميركي في لحظة ما كواحد من خُدام نتنياهو ومنفّذ لمشاريعه «ريفيرا غزة وتهجير سكانها والمشروع النووي الإيراني» فهل هذا التقدير الذي تشير له الورقة هو ما استدعى نفي جي دي فانس؟ بالتأكيد.

ما يقلق إسرائيل أكثر هو التغيرات التي تجري في اليمين المعروف تاريخياً بولائه لإسرائيل، حيث تقول الورقة «اليمين المحافظ يتغير أيضاً، حيث يتوق العديد من مؤيديه إلى سنوات المجد في الخمسينات ... وبهذا المعنى فإن حركة (لنجعل أميركا عظيمة مجدداً MAGA) التي يقودها الرئيس ترامب تعبير عن الحنين لذلك الزمن الذي يتطلب استثماراً في الولايات المتحدة لا خارجها ... وفي جزء راديكالي في هذا المعسكر يُنظر الى إسرائيل على أنها دولة استغلالية تحاول التلاعب بالولايات المتحدة لخوض حروبها – ليس بالضرورة وفقاً للمصالح الأميركية، وبالتالي تضعف الولايات المتحدة في المنافسة على الهيمنة العالمية» لتصل الورقة إلى القول إن «هناك أصوات في هذا المعسكر تعبّر عن آراء معادية للسامية وتربطها بإسرائيل، ويتم التسامح مع هذه الأصوات من قبل العناصر الأكثر اعتدالاً في ائتلاف MAGA.

لا يتسع هنا الكثير للنقل عن الورقة وما أوردته من استطلاعات لافتة تعكس انزياحات كبرى، خصوصاً لدى الأجيال الحديثة، لكن ما هو لافت أنها تستند لاستطلاع بيو في آذار الماضي بأن 53% يعبّرون عن رأي سلبي ضد إسرائيل وزيادة في دعم الفلسطينيين لـ 33%. لكن الاستطلاعات التي تضيء الأضواء الحمر في تل أبيب هي بين الجمهوريين والبيض، ما زال الدعم مرتفعاً 75% لإسرائيل لكن التفاصيل خطيرة لهم، حيث إنه بين الفئة العمرية 18-34 تُظهر النتائج أن 13% فقط يدعمون إسرائيل، فيما ترتفع النسبة بين الفئة التي تزيد على 65 عاماَ إلى 67 % وتلك مقلقة لمركز دراسات إسرائيلي يجد دولته تغادر بين الفئة الصاعدة والقادمة.

مأساة إسرائيل أنها دوماً تقرأ ولكنها ترسب في النتيجة، لأن قراءة دقيقة وبهذا العمق والتفاصيل لا تطلب من إسرائيل في التوصيات تغيير سلوكها أو مراجعة سياساتها أو الكف عن جرائمها، بقدر ما تترك توصية «بضرورة وضع مذكرة تفاهم مع الولايات المتحدة وانتقال إسرائيل كدولة مدعومة إلى شريك استراتيجي» تلك هي إسرائيل المتغطرسة والمصابة بعمى القوة. ولكن لنتركها جانباً، كيف يمكن أن توفر هذه القراءات مادة عمل عربية أو فلسطينية؟ هذا هو السؤال ويمكن ذلك، وربما ترد إجابته في مقالات قادمة.