حشد: بعد مرور عامين على الإبادة الجماعية.. غزة تواجه كارثة إنسانية وبيئية غير مسبوقة
حشد: بعد مرور عامين على الإبادة الجماعية.. غزة تواجه كارثة إنسانية وبيئية غير مسبوقة
الكوفية وجّهت الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني (حشد) مذكرة إحاطة رسمية إلى عدد من كبار المسؤولين الأمميين، تناولت فيها التدهور الإنساني والبيئي الخطير في قطاع غزة بعد مرور عامين على الإبادة الجماعية الإسرائيلية المستمرة منذ 7 أكتوبر 2023، محذّرة من أن القطاع تحول إلى منطقة منكوبة بيئيًا وإنسانيًا بالكامل يعيش فيها أكثر من مليوني إنسان في ظروف غير صالحة للحياة.
وقد أرسلت الهيئة مذكرتها إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتيريش، والمقررة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة السيدة فرانشيسكا ألبانيز، والمفوض العام لوكالة الأونروا السيد فيليب لازاريني، والمقرر الخاص المعني بحق الإنسان في بيئة نظيفة وصحية ومستدامة السيد ديفيد بويد، والمفوض السامي لحقوق الإنسان السيد فولكر تورك، والمدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة السيد إينغر أندرسن.
وأعربت الهيئة في مذكرتها عن قلقها العميق من استمرار جرائم الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين في قطاع غزة، مؤكدة أن ما يجري منذ عامين يشكل جريمة إبادة جماعية وجريمة ضد الإنسانية وجريمة حرب مكتملة الأركان، تترافق مع كارثة بيئية متكاملة ناجمة عن التدمير الممنهج للبنية التحتية والحرمان من الخدمات الأساسية والمياه والدواء والكهرباء والبيئة الآمنة.
وأوضحت الهيئة أن قطاع غزة الذي كان يضم نحو 2.4 مليون نسمة قبل العدوان لم يتبقّ فيه سوى 2.1 مليون إنسان نتيجة القتل والنزوح القسري المستمر، مشيرة إلى أن أكثر من 1.7 مليون شخص يعيشون حاليًا نازحين داخل القطاع في مدارس مدمّرة ومراكز إيواء مؤقتة وخيام بدائية تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة.
وبيّنت الهيئة أن الخدمات الأساسية انهارت بالكامل، إذ انقطعت الكهرباء بشكل شبه تام منذ بدء العدوان، وتلوثت المياه في أكثر من 88% من الآبار، وأصبح الصرف الصحي يُصرّف مباشرة في الشوارع والبحر، بينما تتكرر انقطاعات الاتصالات بشكل يومي، وتوقفت البلديات والوزارات والمصارف عن العمل نتيجة الدمار الشامل والنزوح الجماعي للكوادر.
وأشارت المذكرة إلى أن النازحين داخليًا يعيشون في ظروف إنسانية مأساوية، حيث يصل معدل الاكتظاظ إلى أكثر من 15 شخصًا في الغرفة الواحدة، وسط نقص حاد في المياه الصالحة للشرب والغذاء والدواء، وانتشار للأوبئة والحشرات وانعدام الخصوصية، ما يجعل النساء والأطفال وكبار السن وذوي الإعاقة الأكثر تضررًا من هذه الأوضاع.
وأكدت الهيئة أن نحو 90% من الأسر الفلسطينية في غزة تعاني من انعدام الأمن الغذائي، مع اعتماد السكان على مساعدات محدودة وغير كافية، وارتفاع معدلات سوء التغذية الحاد بين الأطفال والرضع، إذ يواجه أكثر من 650 ألف طفل خطر الموت جوعًا بسبب نقص الغذاء وحليب الأطفال واستهداف مخازن الطعام وتكيات الإغاثة من قبل قوات الاحتلال.
وذكرت الهيئة أن أكثر من نصف المستشفيات والمراكز الصحية خرجت عن الخدمة، حيث تم تدمير 38 مستشفى و96 مركزًا صحيًا بالكامل، بينما تعمل المرافق القليلة المتبقية في ظروف مأساوية دون أدوية أو وقود لتشغيل المولدات. وانتشرت الأمراض المعدية مثل الكوليرا والإسهالات والجرب وسوء التغذية الحاد، إلى جانب تدهور الصحة النفسية بسبب الصدمات المتكررة وفقدان الأهل والأقارب.
وحذّرت الهيئة من تدهور خطير في البيئة الطبيعية نتيجة القصف الواسع وتلوث الهواء والمياه والتربة وبقاء الجثث تحت الأنقاض وتسرب الوقود والمخلفات الصناعية وتراكم ملايين الأطنان من القمامة ومياه الصرف الصحي، ما خلق بيئة خصبة لانتشار الأوبئة. كما نبّهت إلى خطر الذخائر غير المنفجرة التي تهدد المدنيين وفرق الإنقاذ، وتدهور النظام الساحلي نتيجة تصريف المياه العادمة إلى البحر.
كما أوضحت المذكرة أن العملية التعليمية شُلّت بالكامل بعد تدمير آلاف المدارس والجامعات وتحويل مئات منها إلى مراكز إيواء، ما حرم أكثر من 785 ألف طالب وطالبة من حقهم في التعليم، وقد استُشهد أكثر من 13,500 طالب و830 معلمًا منذ بدء العدوان.
أما على الصعيد الاقتصادي، فقد شهد القطاع انهيارًا شبه كامل للقطاعات الإنتاجية والزراعية والصناعية، وتدمير أكثر من 268 ألف وحدة سكنية و94% من الأراضي الزراعية، ما رفع نسبة الفقر إلى 90% والبطالة إلى 75%، وأدى إلى تفكك النسيج الاجتماعي وارتفاع معدلات العنف الأسري والانتحار.
وأكدت الهيئة أن هذه الوقائع تمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، ولا سيما المادتين (49) و(50) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، وتشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وفق نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، بالإضافة إلى كونها جريمة إبادة جماعية بيئية وإنسانية متكاملة بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948.
ودعت الهيئة الأمم المتحدة ومؤسساتها إلى التحرك الفوري لإنقاذ ما تبقّى من حياة في قطاع غزة، مطالبة باتخاذ خطوات عملية عاجلة تشمل الوقف الفوري للعدوان الإسرائيلي وضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية، وإرسال بعثة تحقيق دولية خاصة لتوثيق الانتهاكات البيئية والإنسانية ومساءلة مرتكبيها أمام المحكمة الجنائية الدولية، وتفعيل دور برنامج الأمم المتحدة للبيئة لتقييم الأضرار البيئية ووضع خطة طوارئ عاجلة لمعالجة التلوث والركام والنفايات، ورفع الحصار المفروض على غزة فورًا والسماح بإدخال الوقود والمياه ومواد الإغاثة والإنشاء دون قيود، وتأمين ممرات إنسانية آمنة لوصول المساعدات الطبية والغذائية وإجلاء المرضى للعلاج في الخارج، وإنشاء صندوق دولي لإعادة الإعمار البيئي والإنساني بإشراف الأمم المتحدة، وفرض عقوبات دولية فعالة على دولة الاحتلال تشمل حظر توريد السلاح ووقف التعاون العسكري، والاعتراف بما جرى في غزة كجريمة إبادة جماعية بيئية وإنسانية ومساءلة المسؤولين عنها أمام العدالة الدولية.
واختتمت الهيئة الدولية (حشد) مذكرتها بالتأكيد على أن حماية البيئة في غزة هي حماية للإنسان وحقه في الحياة الكريمة، مشددة على أن أي تأخير في التدخل الدولي سيقود إلى كوارث بيئية وصحية تمتد آثارها لأجيال قادمة، داعية المجتمع الدولي إلى التحرك العاجل قبل فوات الأوان.