نشر بتاريخ: 2025/12/11 ( آخر تحديث: 2025/12/11 الساعة: 11:49 )
حسن عصفور

مشعل ينعي حماس بلغة "جهادية"..!

نشر بتاريخ: 2025/12/11 (آخر تحديث: 2025/12/11 الساعة: 11:49)

ظهرت خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب غزة في سياق حرب غزة، خلال العام الحالي، وأخذت بعداً أكبر بعد صدور قرار مجلس الأمن 2803. وهي خطة أميركية، تحاول أن تضفي عليها الولايات المتحدة طابع التعددية، رغم أن إدارتها الانتقالية في غزة، ذات الأبعاد السياسية والاقتصادية والأمنية بقيادة الولايات المتحدة، وبالتعاون مع دول أخرى. فتلعب الولايات المتحدة الدور المركزي في صياغة أطرها المتعددة، بما فيها الأمنية، وتتحكم باتجاهاته. في حين برزت خطة ترامب لأوكرانيا في ظل الحرب الروسية الأوكرانية التي نشبت في العام 2022، وتطرح في إطار صفقة، وإن لم تعتمد بشكل رسمي كخطة غزة. وتأتي الخطة في إطار ثنائي، بين البلدين المتجاورين، مع وجود واشنطن، لوضع ترتيبات وقف الحرب وترتيب الأوضاع بعد ذلك، تماماً كما يبدو الهدف من خطة غزة، مع عزل التدخل المتعدد من قبل الدول الأوروبية، التي تدخلت لدعم أوكروانيا في الحرب، الأمر الذي شكّل أهم الاعتراضات الغربية على الخطة الأميركية في أوكرانيا. في إطار ثالث، تبدو الخطة الأميركية حول فنزويلا، ضمن سياق مختلف عن سياق خطتَي ترامب لغزة وأوكرانيا، تعكس حقبة مهمة من تدهور العلاقة الأميركية مع فنزويلا، دشّنها ترامب في حقبته الأولى، ويعيد صياغتها حالياً. تُعتبر خطة ترامب التي أعلن عنها خلال العام الحالي، خطة أحادية الجانب، تعكس سياسة الولايات المتحدة تجاه فنزويلا، وتعتمد على الضغط الاقتصادي والعقوبات القصوى وخنق نظام الرئيس نيكولاس مادورو، بهدف استعادة الهيمنة الأميركية على قطاع النفط الفنزويلي، وتقويض نفوذ قوى مناهضة للولايات المتحدة في البلاد، خصوصاً النفوذ الصيني.

تكشف الخطط الأميركية للمناطق الثلاث عن البعد الاقتصادي الاستغلالي الواضح. فيشكّل ذلك البعد الاقتصادي محورًا حاسمًا في المقاربات الترامبية الأميركية الثلاث. في غزة، تربط خطة ترامب لما بعد الحرب تشكيل بيئة استثمارية إعمارية من خلال مشاريع ورؤى أميركية، وبشركات تنفيذية أميركية ودولية، على أن يكون التمويل عربياً ودولياً، وليس أميركياً. في أوكرانيا، تركز خطة ترامب على تمويل الإعمار بـ 100 مليار من الأصول الروسية المجمّدة، بالإضافة إلى 100 مليار من أوروبا، في ظل مكاسب تعود للولايات المتحدة من أرباح ذلك الإعمار، كتعويضات لها عن الضمانات الأمنية التي قدمتها خلال الحرب. كما تشير الخطة، لإنشاء كيان استثماري أميركي–روسي في مشاريع مشتركة، يتيح للولايات المتحدة العمل داخل أوكرانيا.

في فنزويلا، يبدو هدف خطة ترامب مباشراً، لأن فنزويلا تمتلك أكبر احتياطي نفطي في العالم، وكانت واشنطن المستقبِل الأول لنفطها. تسعى واشنطن عبر سياسة الضغط القصوى الموضحة في خطة ترامب، لقطع تدفق ذلك النفط، خصوصاً لندّها العالمي الأول الصين، ولإعادة السيطرة على قطاع النفط الفنزويلي وفتحه أمام الشركات الأميركية. لذلك تركز الخطة إما على إسقاط النظام في فنزويلا، أو للضغط عليه للرضوخ، لإعادة ترتيب الأوضاع الاقتصادية مع واشنطن.

تشكل خطط ترامب في المناطق الثلاث، بالإضافة للاستغلال الاقتصادي، انتهاكاً صارخاً لقواعد القانون الدولي، وللأسس الديمقراطية، التي رسختها الولايات المتحدة، وطالما تغنت بها.

في غزة، تشكل خطة ترامب انتهاكاً قانونياً عميقاً، واستهتاراً بجميع قواعد الديمقراطية المعروفة. فالخطة تنتهك السيادة الفلسطينية، وتشير إلى فرض “وصاية أميركية” عبر إدارة انتقالية، والمعروفة بـ «مجلس السلام»، حيث يسلم حكم الفلسطينيين إلى جهة أجنبية، الأمر الذي يعطل القرار الفلسطيني الوطني فوق أرض فلسطينية. وهو أمر غير مقبول فلسطينياً، أي يأتي ضد إرادة الفلسطينيين، وينتهك حقاً أصيلاً لهم. كما تكافئ الخطة الأميركية في غزة قوة الاحتلال الغازية، وتسمح ببقائها، وممارسة سيطرتها الأمنية، وقمع الفلسطينيين، كما تعفيها من تحمّل مسؤوليتها عن أفعالها، وبدل أن يتحمل الاحتلال مسؤولية إعادة إعمار ما دمره في الحرب، في أرض محتلة، ولشعب مكفول بالحماية الدولية، كشعب محتل، يحوّل ترامب تلك المسؤولية لجهات أخرى، ليست شريكة في جرائم الحرب المقترفة في غزة. وتهمل الخطة بوعي الجذور السياسية لهذه الحرب، وتركز على الجانب الأمني الذي يميل بشدة للقوة المحتلة، وعلى الجانب الاقتصادي المنشود أميركياً. إن إنشاء “إدارة انتقالية دولية” من دون تفويض واضح من الشعب الفلسطيني، وربط الإعمار بضمانات أمنية تُصاغ خارجياً، وتضمين بنود تتعلق بنزع سلاح فصيل فلسطيني بالقوة، يثير إشكالات قانونية مرتبطة بمبدأ حقّ الشعوب الخاضعة للاحتلال في تقرير مصيرها، وبقواعد عدم جواز فرض ترتيبات حكم أو أمن على أراضٍ محتلة من دون مشاركة السكان. كما أنّ أي صيغة تُعيد إنتاج “وصاية دولية” أو تهمّش السلطة الفلسطينية أو المؤسسات المنتخبة تتعارض مع المعايير الديمقراطية الأساسية.

وفي أوكرانيا، تفرض الخطة وضع “حياد دائم” وتجميد حق كييف في الانضمام إلى الناتو، وتمنح روسيا مكاسب إقليمية في القرم وأجزاء من دونباس، وتطرح إصدار “عفو شامل” عن جرائم الحرب وتتصادم مع حقّ الشعب الأوكراني في تقرير مصيره السياسي. تسجل خطة ترامب “تنازلات إقليمية لروسيا، تفرضها تلك الخطة، دون الاستناد لتوجهات الحكومة الأوكرانية، أو لقرار الشعب الأوكراني. ويُعتبر ذلك تنازلاً عن أراض أو حقوق سيادية، تعتبرها عدد من الدول الأوروبية أنها تأتي على حساب وحدة أراضي أوكرانيا. كما أن ذلك الموقف الأميركي يؤسس لانتهاك صريح لقاعدة عرفية أساسية في القانون الدولي، تحظر استخدام القوة للاستيلاء على أراضي الغير. وترفض عدد من الدول الأوروبية خطة ترامب، لأنها تراها خطة تعسفية أميركية-روسية على أوكرانيا، من دون مشاركة أوروبية جادة. وتعتبر تلك الخطة تجاهلاً للمعادلات الأمنية في أوروبا، التي وضعت بعد تطورات الحرب الروسية الأوكرانية.

وفي فنزويلا، ترفض حكومة نيكولاس مادورو “خطة ترامب” المعروفة بخطة الضغط القصوى بهدف إعادة تصميم النظام السياسي من الخارج وقلب نظام الحكم في كاراكاس. وتتهم الحكومة الفنزويلية الولايات المتحدة بالتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد. وترفض أي تدخل أو وصاية أميركية في البلاد. معتبرةً أن ما هو مطروح أميركياً يشكل استعماراً اقتصادياً وسياسياً للبلاد. وتعتبر فنزويلا أن العقوبات الاقتصادية والنفطية بمكن أن تؤدي لكارثة إنسانية. والحقيقة أن هذه الخطة تُعد تعدّياً صارخاً على سيادة فنزويلا وضغطاً على النظام السياسي، في إطار يتعدى القانون ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وتحدياً صارخاً لأي اعتبارات ديمقراطية.

تُظهر التقاطعات الواضحة في خطط ترامب في غزة، والتسريبات والتصريحات حول خطة ترامب في أوكرانيا وفنزويلا نمطًا مشتركًا للسياسة الأميركية الخارجية لإدارة ترامب الحالية، التي تضع اعتبارات المصالح الاقتصادية الأميركية في تلك المناطق على حساب أية اعتبارات قانونية او ديمقراطية أو حتى إنسانية، الأمر الذي يفسر الأصوات المرتفعة الرافضة لسياسات واشنطن الخارجية.