نشر بتاريخ: 2025/09/06 ( آخر تحديث: 2025/09/06 الساعة: 20:47 )
د. مراد حرفوش

قمة بيروت وخريطة سموتريتش... ماذا تبقى؟

نشر بتاريخ: 2025/09/06 (آخر تحديث: 2025/09/06 الساعة: 20:47)

الكوفية عُقدت في العاصمة اللبنانية بيروت القمة العربية عام 2002 في أتون الحرب الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني، وانتفاضة الأقصى، وحصار الرئيس ياسر عرفات، واجتياح المدن الفلسطينية، لأول مرة منذ إبرام "اتفاق إعلان المبادئ" الذي يعرف "باتفاق أوسلو" عام 1993، وكان على جدول أعمال القمة مناقشة "مبادرة السلام العربية"، التي اعتبرت أن السلام هو الخيار الاستراتيجي للعرب مقابل انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة عام 1967، وتنفيذاً لقراري مجلس الأمن 242 و 338، وانسجاماً مع قرارات مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 ومبدأ الأرض مقابل السلام، فكان الرد الإسرائيلي بقيادة أرئيل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك على هذه المبادرة العربية منع مغادرة الرئيس الفلسطيني عرفات مدينة رام الله للمشاركة في هذه القمة، وفرض حصار كامل على المقاطعة، المكان الذي كان يتواجد فيه، وبقي فيه حتى اغتياله، ثم اجتياح وإعادة احتلال المدن كافة، وارتكاب المجازر بحق المخيمات الفلسطينية، وأبرزها الجريمة التي ارتكبت في مخيم جنين عام 2002، وحصار كنيسة المهد في بيت لحم.

هذه المشاهد المروّعة نقلت بالصوت والصورة أثناء اجتماع القادة العرب في بيروت آنذاك. ورغم هذه الأحداث من قتل واعتقالات بحق الفلسطينيين، وتدمير مقرّات السلطة الوطنية الفلسطينية واجتياح المدن الفلسطينية وتنفيذ مخطط شارون باحتلال المدن والمخيمات والقرى وملاحقات رجال المقاومة واغتيالات النشطاء، وتدمير وتجريف البنية التحتية للأراضي الفلسطينية، أقرّ مجلس القمة العربية الرابع عشر مبادرة السلام العربية كخيار استراتيجي ومبدأ الأرض مقابل السلام، والسؤال الرئيس ماذا تبقى من الأرض؟

خريطة سموتريتش

عقد وزير المالية في حكومة اليمين المتطرف سموتريتش مؤتمراً صحفياً طالب فيه بفرض السيادة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية، وعرض خلال المؤتمر خريطة فيها مساحة الأرض التي على الحكومة الإسرائيلية ضمّها كأرض دون سكن، والبالغة من مساحة الضفة الغربية 82%، وبقاء ما يساوي الـ 18% ككانتونات ذات كثافة سكنية فلسطينية، تحكمها هيئة فلسطينية أو عشائرية أو غيرها من المسمّيات، على ألا تشكل تهديداً على أمن إسرائيلي؛ وبهذا يكون قد طبق حسب زعمه الحق التاريخي والديني الصهيوني بضم أراضي يهودا والسامرة (الضفة الفلسطينية) إلى الدولة الإسرائيلية.

واعتبر سموتريتش أن الظروف مهيئة ومناسبة للضم والسيادة على الأرض التي قد لا تتكرر. وهذه الخطوة ستحفظ لأجيال يهودية قادمة، وسوف تُدخل نتنياهو كتب التاريخ من أوسع أبوابه، وهذا هو حلم أحزاب القومية والصهيونية الدينية المتطرفة التي تحكم مفاصل دولة الاحتلال الإسرائيلية وترتكب أفظع المجازر والإبادة الجماعية في قطاع غزة منذ 22 شهراً، من دون أن تحرك الضمير الإنساني العالمي سوى مواقف أوروبية خجولة تغشى المظاهرات والمسيرات التي تجوب عواصمها، وهي على أبواب الانتخابات البرلمانية لمعظم هذه الدول.

مبدأ الأرض مقابل السلام: ممكن

أقرت هذه الحكومة اليمينية الحاكمة في إسرائيل بقيادة نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، المعروفة بحكومة ائتلاف الأحزاب الأكثر تطرفاً في تاريخ هذه الدولة برنامج حسم الصراع، وهو إنهاء القضية الفلسطينية والقضاء على الهوية السياسية للفلسطينيين، وتهجير الشعب من هذه الأرض، إما بالقتل وفق ما يحدث في قطاع غزة من حرب إبادة جماعية وتطهير عرقي، حيث تجاوزت أعداد الشهداء إلى هذه اللحظة أكثر من 63 ألف شهيد، وأكثر من 10 آلاف مفقود تحت الأنقاض، وبلغت أعداد الجرحى أكثر من 160 ألف جريح ومصاب، عدا عن الأمراض المنتشرة والسارية نتيجة تداعيات الحرب والحصار وعدم إدخال الغذاء والدواء، وكذلك تلوث المياه وانهيار المنظومة الصحية بشكل ممنهج ومدروس من قبل الاحتلال الإسرائيلي؛ وإما بالطريقة الثانية وهي التهجير، وهذا ما يحدث بشقي الوطن في غزة والضفة من خلال سياسة القتل والدمار والحصار وجعل الأراضي الفلسطينية بيئة طاردة وغير قابلة للحياة، سواء بالتجويع ومصادرة الأراضي واعتداء المستوطنين اليومية على ممتلكات الفلسطينيين والإغلاقات والحصار للمدن والريف الفلسطيني، والتي فرضت عليها البوابات الحديدية، والتي بلغت أكثر من ألف بوابة في الضفة الغربية، وبعد إقرار الحكومة الإسرائيلية "مشروع E1" وتطوير البنية التحتية للمستوطنات وربطها ببعضها البعض من خلال شق الطرق وبناء الجسور بمصادرة مئات الآلاف من الدونمات وقطع أوصال المدن والقرى الفلسطينية.

وأمام هذه المشاريع الاستيطانية والخطط التي تنفذ على أرض الواقع، هل بقيت صيغة الأرض مقابل السلام ممكنة ومقبولة؟ عندما تحدّث نتنياهو مراراً وتكراراً، وعلى رؤوس الأشهاد، عن أنه يريد أن يرى إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، وأن يغيّر هندسة الشرق الأوسط، وعندما تأتي هذه التصريحات متوافقة ومتماهية مع رؤية الرئيس الأميركي دونالد ترامب بجعل قطاع غزة ريفييرا الشرق الأوسط، وتهجير الفلسطينيين منها، وتوسيع الاتفاقية الإبراهيمية لتنفيذ السلام بالقوة، بمعنى بقاء السلام دون الأرض. هنا نقول: ماذا تبقى من قمة بيروت ومبدأ الأرض مقابل السلام؟ وهل يقبل الزعماء العرب ذلك؟ الأيام القادمة قد تجيب عن هذه الأسئلة.